قدمت في الرسالة نبذاً من كتاب إقبال الذي سماه (أسرار خودى) فعرف القارئ رأي الشاعر فيما سماه (الذاتية) ورأى كيف ضرب مثلاً من الطائر الظمآن وقطعة الماس، ومن الفحم والماس.
وفي هذا المقال يرى القارئ كلمتين من الكتاب نفسه: الأولى قصة الشيخ والبرهمن، ونهر الكنج وجبل هماله، والثانية (الوقت سيف). وإذا رأى القارئ غموضاً في بعض الجمل فمرجع هذا أن كثيراً من المعاني والعبارات غير مألوف في العربية، وأن الشاعر الكبير يعرض آراء من فلسفته الخاصة، لم تذلل لها اللغة التي كتب بها. وهو يشكو في كلامه عن الوقت من أن الألفاظ تضيق بالمعاني التي يحسها.
وكان أهون عليّ أن أكتب في موضوعات أخرى هي أقرب إلى القراء، لولا أني أود أن أبين جهد الطاقة عن جوانب مجهولة من أدبنا الشرقي، ولاسيما فلسفة شاعر الإسلام الأكبر محمد إقبال.
ويرى القارئ أني أحاول بالسجع تدارك بعض ما فات من الوزن والقافية.
- ١ -
(قصة الشيخ، البرهمن، وحديث كنكا وهماله في بيان أن حياة الأمة تستمر بالمحافظة على سننها).
كان في بنارس برهمند من الكبراء، غواص في بحر الحياة والفناء. ملك زمام الحكمة، وشحذ في الطلب والهمة، متوقد الذهن، يتحرى الدقائق، ويحلق فوق الثريا في طلب الحقائق. أوغل في لوح الجو كالعنقاء، واضطربت الشمس والقمر في شعلة فكره الوضاء. مُني زماناً بالحرمان والحسرة، لم تصب كأسه قطرة من الحكمة، وألقى شبكته في رياض المعرفة، فلم تر طائر المعنى عين الشبكة، وأدمى مخالب الفكر المجهود، ولم يحل عقدة الوجود، نطقت بعجزه آهاته، وصورت حيرة قلبه قسماته.