[بعد الوداع. . .!]
للأستاذ محمد عبد الرحيم إدريس
بعد ذاكَ الوداع سرتُ وحيداً ... أذرَعُ الأرض مستهاماً شريدا
يا لبؤس الوَداع يُطلقُ في القلب اضطراباً وفي الخُطى تقْيدا
يا لتلك الكأس المريرة أحسُو ... ها برغمي وانثَني عِرْبيدا!
يا لسخر الأقدار عند وداعي ... تسأل القلب أين يمضي وحيدا؟!
وتعدُّ الدِّيارَ لي وكأني ... سألاقي بها حبيباً جديداً
كلُّ دار تزور عني وتنأى ... أيُّ دار تضُمُّ هذا الطَّريدا؟
كلُّ دارٍ ما لم تكن أنت فيها ... طلَلٌ يسقم الفؤاد العميدا
كل دار تَضيَّفَتْني وحيدا ... أطعمْتَني الأشجان والتسهيدا
يا رياح الشتاء هذا شراعي ... قد ترامى على يديك شهيدا
أبعديه عن كل شطِّ عزاءٍ ... واقذِفيه باليأس جهْماً عنيدا
أسلميه إلى العباب المدَوِّي ... واطرَحيه عن الحياة بعيدا!
أمطريه أسىً وظلمة ليْلٍ ... وهَبيه صواعقاً ورعودا
أو دعيه يمضي إلى الهمِّ طوْعاً ... انه عن صخوره لن يحيدا
واحملي للفناء قلبي وصُبَّي ... فوق هذا الصِّبا الوريف الوعيدا
وابعدي عن فمي كُؤُوس دموعي ... فلقد ارْتوِي وأمضِي سعيدا!
بعد هذا النَّوى دفنتُ بِنفسي ... أملاً كنتُ أشتهي أن أرودا
كنت أرجو أن لا فراق على الدهر بغير الردى عبوسا مريدا
كنت أرجو حتى غِلاَب المنيَّا ... ت بذكرى تُضفي علينا الخُلودا
غير أني أرى سراب الأماني ... ثمناً للفراقِ كان زهيدا!
(الإسكندرية)
محمد عبد الرحيم إدريس