الميل إلى تأليف القصص والاستمتاع بسماعه طبيعيان في الإنسان، فهو كما يميل تبعاً لغريزة الاستطلاع إلى مشاهده حوادث الحياة تترى أمام عينيه، يميل إلى حكايتها لغيره كما رآها أو تخيلها؛ ويميل إلى الاستماع إلى غيره يرويها له، يشبع بها غريزة الاستطلاع وملكه الخيال من نفسه. والحياة ذاتها ليست سوى قصة متتابعة الحوادث متوالية الفصول. وليس بد لمن شاء وصف بعض مظاهرها أو ظروفها من اللجوء إلى القصص، وإلى القصص يلجأ بداهة كل صديقين تلاقيا بعد طول فراق، وبالقصص يشغف الأطفال أشد الشغف، وبه شغف الإنسان في عهد طفولته التاريخية.
كان القصص أول صور الأدب ظهوراً، بل كان جماع الأدب والعلم والثقافة العامة لدى الجماعات الأولى، يشمل معارفهم بالخلق والطبيعة والتاريخ وعقائدهم وتقاليدهم، فما من شيء من ذلك كله إلا حاكوا له قصة، ولا مظهر إلا اخترعوا له حكاية تعلله، فكان قصص تلك العهود مملوءاً بالخرافات والأوهام، دائراً حول الآلهة والملوك والأبطال والقبائل، وبالجملة كان قصصاً رومانسياً تكثر فيه الخوارق والعظائم والمفاجئات والمخاطرات. وقد تخلف من كل ذلك تراث حافل من نثر وشعر، يتمثل في أساطير الأولين من مصريين وفرس وإغريق ورومان، وبارتقاء الجماعة العقلي يتخلص العلم رويداً رويداً من آثار القصص والخرافة ويختص الأدب بتلك الآثار وتتمثل في شعر الملاحم وما شاكله.
وإذا ما ظهر النثر الفني فقد ولت في آثاره أساطير الأولين تلك، وإن بطل الاعتقاد في كثير منها، وخطا القصص إلى المرحلة الثانية من مراحل تطوره، فاتخذ وسيلة لإسداء المواعظ وإذاعة التجارب وتحبيذ الفضيلة. أو لشرح النظريات العلمية أو الفلسفية ووضع لذلك على ألسنة الطير والحيوان، أو أفواه الأرواح والجان، وصيغ أحياناً في شكل حوار، كما يرى في قصص إيزوب وجمهورية أفلاطون وحكايات لافونتين وكتاب أميل لروسو؛