ليس من الحق برغم ما سقناه في الكلمة السابقة من الشواهد على اختلاف الآراء والأفكار الأخلاقية تبعاً لاختلاف الأمم والشعوب والزمان والمكان - ليس من الحق مع هذا كله أن ننكر أن هناك حقائق أخلاقية عامة سايرت العُصُر وسادت في جميع البيئات.
ذلك أنه من السهل أن نلاحظ أن الناس على ما بينهم من اختلاف مرجعه الجنس والبيئة والزمن يمتثلون لما يعتقدونه واجباً على أوجه مختلفة، وقد تتباين كما رأينا أحياناً؛ ولكنهم جميعاً يقبلون في قرارة أنفسهم فكرة الواجب ويعتقدون أن بعض الأعمال أعلى خلقياً من البعض الآخر. الكل يعلم أنه يوجد خير وشر، ويحس الاحترام لبعض الناس والاحتقار لآخرين. الرجل الساذج في أفريقيا وأستراليا في خضوعه لتقاليده العجيبة وعده ذلك واجباً، والمجرم الذي لا يخلف ما وعد بعمله من مآثم ومناكر، والذي يرى نفسه ملزماً من نفسه بعدم خيانة عصابته؛ أولئك جميعهاً عندهم خلقية مشابهة في صورتها لا في مادتها ومحتواها لخلقية الرجل الفاضل من هذه الناحية، مادام الجميع يرون القيام بالواجب أمراً مقضياً. ليس علينا إلا إثارة عقول هؤلاء المساكين الذين يخضعون هذا الخضوع الأعمى لتلك التقاليد الظالمة، وتفهيمهم أي الأعمال تعتبر واجبات يجب أن يقوموا بها ويعدوا تنفيذها أمراً إلزامياً. هذا التحقق وهو أنه يوجد لدى جميع الناس بلا استثناء منذ ابتدءوا يفكرون ويعملون نظريات وعواطف أخلاقية، يجيز لنا أن نصف فكرة الواجب والخضوع له وعدِّ من يقوم به خيِّراً بأنها حقيقة أخلاقية عامة. ثم على رغم هذا الاختلاف الذي لا ريب فيه بين ما يسمى واجباً هنا وواجباً هناك، ليس من النادر أن نلاحظ تماثلاً بين بعض النظريات الأخلاقية لدى جميع الناس. إنه من العسير بل من المستحيل أن تذكر وسطاً أو عصراً يعتبر الجبن فيه أفضل من الشجاعة أو الظلم أفضل من العدالة. العدالة اختلف الناس في فهمها وطبقت بطرق متغايرة في الأمم المختلفة، هذا حق؛ ولكن الرجل العادل