بالقرب من سلسلة جبال ليبيا يقع حي ممنون الذي يسكنه من يهيئون حاجات الموت، لأن عمله لا ينقطع أبداً، وعبثاً تنتشر الحياة بضوضائها، فالعصائب تجهز، والتوابيت تغطى بالنقوش الهيروغولوفية، وبعض الأجداث الباردة ممتد على سرير الموت ذي القوائم التي تحاكي أرجل الأسد أو ابن آوى وينتظر أن يزين الزينة الأبدية. ولدى الأفق الجبال الليبية تتضح قممها الجيرية فوق صفحة السماء النقية، ويبدو جسمها الأجرد الذي نحتت فيه النواميس والقبور.
وعندما يتجه المرء ببصره إلى الجانب الآخر من النهر لا يجد المنظر أقل من ذلك جمالاً: فأشعة الشمس تكسو باللون الوردي سفح سلسلة جبال العرب، والهيكل الضخم الهائل لقصر الشمال استطاع البعد أن يصغره قليلاً، وقد نهضت أبراجه من الجرانيت، وأعمدته الهائلة فوق منازل المدينة؛ وأمام القصر تمتد ساحة فسيحة تسلم إلى النهر بسلمين على الجانبين، وفي الوسط طريق الكباش يقود إلى برج ضخم، يسبقه تمثالان هائلان وزوج من المسلات العالية يقطع رأساهما الهرميان زرقة السماء الصافية.
وإلى الخلف من أعلى حائط السور يبدو جانب معبد آمون، وإلى اليمين قليلاً ينهض معبد (خنسو) ومعبد (أفت) ويرى وجه برج ضخم، ومسلتان طولهما ستون ذراعاً تبينان مبدأ هذا الممشى الهائل، ذي الألف من التماثيل التي جسمها جسم أسد ورأسها رأس كبش،