من بشائر الأمل في النهوض ودلائل الثقة بالفوز أن النفوس الشابة مهيأة لدعوة التجديد ورسالة الإصلاح؛ فهي كالأرض الطيبة تشتمل على مذخور الحياة وموفور البذر ثم لا تنتظر غير الفلاح والغيث
منذ أخذنا على بعض العلماء اشتغالهم بالمراء الباطل والبحث العقيم، وقوفهم عند المماحكة في اللفظ والمعاياة بالاعتراض، وتركهم أصول الدين تشتجن عليها الأضاليل والبدع، والرسائل تنثال علينا من شباب المراغي في أقسام الأزهر وكلياته يشايعوننا على الرأي ويسألوننا أن نزيد.
و (شباب المراغي) تعبير لم نضعه، وإنما وجدناه في جميع الرسائل التي أُلقيت إلينا؛ فهو إما إلهام جاء من اتحاد النية، وإما اتفاق أُبرم على إدارة الإصلاح.
نعتقد مخلصين أن الأزهر إذا استكمل أداة التعليم وساير حاجة العصر نهض بالشرق نهضة أصيلة حرة، تنشأ من قواه وتقوم على مزاياه وتتغلغل في أصوله. ذلك لأن ثقافته المشتقة من مصدر الوحي وقانون الطبيعة متى اتصلت بتيار الفكر الحديث تفاعلت هي وهو فيكون من هذا التفاعل ما يريد به الله تجديد دينه وكفاية شرعه وإدامة ذكره.
كذلك نعتقد مخلصين أن رجعة الأزهر إلى ماضيه البعيد خير له وللناس من جموده على شأنه الحاضر. والرجعية لا يمكن أن تكون في منطق الطبع سبيلاً إلى التقدم، ولكنها في نظام التعليم الأزهري خرق لهذا القانون لا ينكره العقل. ذلك لأن رجعية الأزهر معناها العودة في استنباط الدين إلى منابعه الأولى من صريح الكتاب وصحيح السنة، وفي فقه الأحكام إلى مثل كتابي الأم والرسالة للشافعي، وفي تعليم النحو إلى كتاب سيبويه وخصائص ابن جني، وفي تدريس البلاغة إلى كتب عبد القاهر وأبي هلال. وفائدة هذه الرجعية الخلوص من أمثال الجمع والهمع، وما حشد الأعاجم في عصور الشروح والحواشي والتقارير مما أفسد الملكات وأفند العقول وصرف الأذهان عن جوهر الدين ولب العربية وسر البلاغة.
إن الدين الإسلامي ينفرد عن سائر الأديان باعتماد دعوته على الأدب وقيام معجزته على البلاغة. فإذا حثر ذوق العربية في رجاله بما قمش السكاكي والفنري وملا جلبي من الغثاء والهراء، تقطعت الأسباب بينهم وبين محمد فضلوا سبيله وجهلوا علمه. فالدين الإسلامي