والأدب العربي متلازمان تلازم المعنى واللفظ أو الفكر والأداء. ولا يتسنى لرجل الهداية والإصلاح أن يبلغ دعوة محمد إلا إذا تمكن منهما تمكن الجاحظ والزمخشري ومحمد عبده ورشيد رضا والمراغي. أما المضمضة بالألفاظ الاصطلاحية والجمجمة بالجمل المعقدة على أنها هي العلم والأدب، فتطور إلى العكس لا يجوز أن ينتج إلا ما نحن فيه
من الطبيعي أن ينشئ هذا الكلام في ذهنك هذا السؤال فتلقيه عليَّ: إذا كان المراغي أجدر الناس بإصلاح الأزهر كما نعتقد؛ وكان شباب الأزهر راغبين في هذا الإصلاح مؤمنين بقدرة شيخهم عليه كما نرى؛ فما الذي يعوق هذا الإصلاح ويعارض هذه الرغبة؟. . . والجواب المفصل عن هذا السؤال يقتضي شيئاً من الصراحة لا تحتمله بعض النفوس فيما أظن. فإذا وقفنا عند الأسباب الظاهرة المباشرة قلنا إن إصلاح الأزهر لا يمكن أم يتم في سنتين أو في أربع، لأن ملاك هذا الإصلاح منوط بأمرين اثنين: أحدهما إعداد المعلم، والآخر تأليف الكتاب
فأما إعداد المعلم فيقوم على أن يكون متمكناً في علوم الدين وصاحب ملكه في الفقه، وأن يكون متبحراً في فنون العربية وصاحب قريحة في الأدب، وأن يأخذ بعد هذا وهذا من ثقافة الغرب بأوفى نصيب. وهذا الإعداد على هذه الأساس لا يؤتي ثمرة قبل عشر سنين إذا أخذوا منذ اليوم يتنخلون ممن تخرجهم أقسام التخصص المختلفة في كل سنة نوابغ الفقهاء والأدباء، ثم يبعثون بهم إلى جامعات إنجلترا وفرنسا وألمانيا ليبلغ كل منهم أقصى الدرجات في العلم الذي أخصى فيه. ولك في الأساتذة البهي وماضي ومحمد يوسف موسى شاهد صادق على فضل هذا الإعداد وأثره
وأما تأليف الكتاب فلا يتيسر إلا بعد إعداد المعلم، لأنه هو وحده الذي يدري كيف يؤلفه ويدرسه. ومتى توفر للأزهر المعلم والكتاب في ظل هذه الإدارة البصيرة صح لك أن تقول:(إن مصر ظفرت بجامعتها الصحيحة التي تُدخل المدنية الغربية في الإسلام، وتجلو الحضارة الشرقية للغرب، وتصفي الدين والأدب من شوائب البدع والشبه والركاكة والعجمة)
ذلك فيما نعتقد ما كان يعنيه صاحب الجلالة المغفور له الملك (فؤاد) حين قال لأحد كبار العلماء: (إن أنجع الوسائل في إصلاح الأزهر أن يغلق عشر سنين ثم يفتح من جديد)