في ١٥ يناير سنة ١٩٣٢ بزغ النجم فصدر العدد الأول من الرسالة، وفي أول سبتمير سنة ١٩٥٢ يصدر العدد الألف من هذه المجلة خلال فترة بلغت عشرين عاما، تطور فيها الأدب والفكر والفن، وانتقل من مرحلة إلى مرحلة، وسايرت الرسالة هذه النهضة ووجهتها وتفاعلت معها، وتركت فيها آثار حية ما تزال باقية خالدة.
وفي خلال هذه النهضة الأدبية التي بدأت بعد الحرب العالمية الأولى نشأت مدرستان: مجلة السياسة ومجلة الرسالة.
أما مدرسة السياسة فقد بدأت منذ عام ١٩٢٢ وانتهت عام ١٩٣١، أما مدرسة الرسالة فإنها منذ بدأت لم تنته، وما زالت تواصل جهادها في قوة.
كانت مدرسة السياسة تنشئ الأدب الجديد، وتواجه التيارات المختلفة، وتقف من الحضارة الأوربية ومن القديم والجديد، ومن الشرق والغرب؛ موقفا بين الوضوح والغموض، وبين الاتزان والشطط، وبين الاعتدال والاضطراب.
أما مدرسة الرسالة فقد جاءت بعد أن استقرت الأمور، ونضج الأدب وبدت ثماره دانية القطوف، وانتهت المرحلة العصيبة الجادة إلى غير عودة.
وبينما كانت مدرسة السياسة تقول بالفرعونية، وتدعو إلى التنهيج بكتابين متواليين عن الشعر الجاهلي؛ والخلافة وأصول الحكم؛ كانت الرسالة تقول بالامتزاج وتقريب وجهات النظر ورعاية القديم وبعثه، وتقبل الجديد بعد دراسته ونقده.
وكان الصراع في (السياسة) بين الأدب القديم والجديد، أقرب إلى الهدم منه إلى البناء؛ فلما جاءت الرسالة واءمت بين القديم والجديد، وبين الشرق والغرب على هدى وبصيرة.
وبعد أن مالت (السياسة) بالأدب إلى النيل من شوقي والرافعي، جاءت الرسالة فأنشأت روحا جديدة قوامها الجمع بين الأفكار والنفوس عن ميدان الصراع، وخلق ميجان للبناء والإنشاء.
وفي مدرسة (السياسة) كتبت الأقلام التي أبرزتها النهضة بعد ثورة ١٩١٩: طه حسين،