[الشعراء المجازون]
الكلمة التي ألقيت في الاحتفال الذي أقامه مجمع فؤاد الأول للغة العربية في قاعة الجمعية الجغرافية الملكية عصر الخميس الماضي لتوزيع جوائزه على الفائزين
أعلن المجمع في العام الماضي مسابقة في الإنتاج الأدبي شملت الشعر والقصص والبحث، فتقدم إلى حلبة القريض منها عشرة من شعراء الشباب أمتعوا لجنة الأدب حينا من الزمن بأغاريد متسقة الوزن منسجمة اللحن صافية الرنين، ولكن في بعضها التوقيع المتنوع. وفي بعضها الترجيع المتجانس. فاستمعت اللجنة إلى الأصوات جميعا؛ ثم أرهفت أسماعها لثلاثة من هؤلاء الشعراء رأت أنهم خرجوا من فناء العش إلى فضاء الأفق، وجاوزوا طور الزقزقة إلى طور الشدو. فسمعت الأول يقول
دهى النيل ليل فاستطال هجوده ... وأورث جنبيه كلالا رقوده
بساتينه باتت نواعس حوله ... وأغفت بها أطياره ووروده
فلا ساجعات الأيك فيها صوادح ... ولا الورد لذ النفح ريانُ عوده
ولا النبت مطراف على الأرض سابغ ... قشيب ولا صوب الربيع يجوده
ولا الصبح طلق الوجه نضر ولا الضحى ... ضحوك السنا ضاحي المحيا سعيده
ولا النيل تأتيه إذا نصل الدجا ... صباياه يملأن الجرار وغيده
فلما دجا ليل الخطوب توثبت ... تهائم واديه وهبت نجوده
وفتح عينا في الدنا فإذا بها ... مضى مجده منها وولى تليده
وأغرى به أهل الطماعة أنهم ... غزوه فلم تزأر عليهم أسوده
فنادى بنيه الغر هبوا فأوقضت ... جحاجحه المستقتلون وصيده
أهاب بشطريه قلباه بيضه ... سيوفا جرى فيها المضاء وسوده
وسمعت الثاني يقول:
أبناء مصر ضنيت مما أكتوى ... لا الصبر في طوقي ولا إجماله
برح الخفاء فما النقاب بمدل ... كلا ولا من حكمة إسداله
أدواء مصر أقلها قتالها ... فزن المصير ولا يفتك وباله
الطير تلهم قبل عصف رياحها ... والقطر ينبئ إن دنا هطاله
وعجيب قومي أن أنوء بنصحهم ... والنصح أدهى ما دهى اهماله