للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الرافعي في الحجاز]

مصطفى الرافعي

للأستاذ محمد حسين زيدان

ليست هذه الكلمة رثاء أرثي به الفقيد ولكنها حادثة وقعت لنا بسببه فأحب إخواني نشرها ليعلم الناس مكان الفقيد من نفس شباب الإسلام والعرب في كل قطر ومصر.

كنا أربعة نسمر حول مائدة فانتحى اثنان منا جانباً يتذاكران اللغة الإنكليزية وجلس آخر يقرأ - يقرأ ضحى الإسلام - أما أنا فكنت أكتب موضوعاً لجريدة (المدينة) وجاء صديق يحمل (الرسالة) ولم نكن قرأنا هذا العدد الذي يحمل، إذ تأخر وصوله فقلت: الرسالة؟ الرسالة! هاتها. فتصفحت الافتتاحية وخطوتها إلى كلمة الأستاذ أحمد أمين. فالأستاذ المازني، ثم إني قرأت للرافعي (أمراء للبيع) فلما وصلت إلى منتصف المقال ألقيت الرسالة وقلت لأصدقائي (هلموا إليَّ - هيا بنا نؤمن ساعة - أقرأ لكم الرافعي) فقالوا: اقرأ. اقرأ. فأخذت أقرأ وهم سامعون ساهمون. يسمعون البيان بيان الرافعي. ويعجبون بالبطولة. بطولة الشيخ ابن عبد السلام. ويهزءون بالقوة الغاشمة والإمارة الكاذبة والجهل الفاضح. وما انتهينا من المقال حتى ملأ الإعجاب أفئدتنا. وهذا حالنا كلما قرأنا لأبي السامي ومن تصاريف القدر وأعاجيبه أنه لم تمض لحظة حتى وافانا البريد فطالع أحدنا (أم القرى) وفيها الخبر الفاجع المحزن خبر وفاة الفقيد. فنزل علينا كالصاعقة ولقد كنا لا نصدق. قبل لحظة كان الرجل حياً يسمعنا بيانه وإيمانه ويطالعنا بعجيب من البطولة والصراحة والصرامة في الحق وتأييد الحق. والآن هو ميت نسمعه أنين الحزين وبكاء المتألم. وطفق أحدنا يبكي ويقول: لكم العزاء في الرافعي فقد حرمنا نحن الناشئة أديباً كبيراً نتعلم منه البيان والأدب العالي والنبل والفضيلة. حرمنا هذا في زمن اتجه أدباؤنا إلى إرضاء الساسة والعامة، والعامة هم عصا الساسة يسوقون بها هؤلاء الأدباء، وإن كان هؤلاء الساسة لا يتحركون إلا بما يرضي العامة لأنهم يستمدون سلطتهم على مقدرات الأمة وشؤونها من هذه العصا العوجاء (الرأي العام) وما هو الرأي العام (يرحم الله قاسم أمين) - قلت: حسبك فقد آلمتنا وأبكيتنا قال: أكتب حادثنا وحديثنا في جريدة (المدينة) ليعرف هذا وإني أعرفك لا تستطيع أن تكتب راثياً فالرثاء شعر ولست بشاعر، وإنما أنا أبكي الفقيد

<<  <  ج:
ص:  >  >>