يظهر أن أثر المحضر الأول كان بالغاً، فالخليفة الفاطمي في مصر وقتذاك وهو الحاكم بأمر الله الذي كان قد أباح للسنيين من اتباع مالك الحرية في تدريس مذهبهم؛ بل أنشأ مدرسة لتدريس هذا المذهب وخاصة من الناحية الفقهية، فإنه لما سمع بالطعن في نسبه في المحضر، ثارت ثائرته، وحظر ما كان قد أباحه. ويقول أبو المحاسن أنه هان في أعين الناس لكتابة العلماء في المحضر وإنه قامت قيامته. والظاهر أن ثورته كانت شديدة حتى أنها تعدت إلى اليهود كما يذكر كردى ساسي في كتابه (الخليفة الحاكم بأمر الله ص٣٣).
كذلك شهد هذا المحضر من أزر من يحقد على الفواطم، فاتخذه كل عدو لهم سلاحا قويا ضدهم، فحاكم المدينة ومكة أبو الفتوح (وكان حاكما من قبل الفواطم) ألغى الخطبة له. هذان المحضران ظهرا بلا شك كنتيجة لضعف البويهيين في هذه الفترة، ومع سوء العلاقة فيها فإن التفاهم يكون ممكناً في بعض الأحيان ما وجد البويهيون. فمثلا استمر التضامن بين أهل الكرخ من الشيعيين في بغداد والفواطم في مصر في الاحتفال ببعض أعياد الشيعة، ولكن حينما زال حكم البويهيين ساءت العلاقة بمجيء السلاجقة، وذلك لأنهم كانوا سنيين كالخلفاء العباسيين لا يعترفون بحق للفواطم بل هم أعداء لهم.
الفترة الثالثة
وتبدأ من سنة ٤٤٧، وهي السنة التي دخل فيها طغرلبك زعيم السلاجقة بغداد، ولذلك تعتبر بدء العهد السلجوقي. في هذه الفترة تسوء العلاقة بين بغداد والقاهرة، لأن السلاجقة على عكس البويهيين، وقفوا موقفا عدائيا تاما من الدولة الفاطمية، وذلك لأنهم أولاً كانوا من أهل السنة لا يعتقدون بشرعية الخلافة الفاطمية. وثانياً لأن الدولة السلجوقية عملت على تقوية الخلافة العباسية فحفظت لها نفوذها الروحي وكان مفقوداً في عهد البويهيين، ولذا كان طبيعيا أن يظهر العداء بين الطرفين وأن يتحالف السلاجقة مع الخلفاء العباسيين على الشيعيين الفواطم، فيجب أن نعتبر العلاقة في هذه الفترة على أسوأ ما تكون بعكس ما