كانت عليه في الفترة الأولى حينما كان للبويهيين القوة، وحتى في الفترة الثانية كانت العلاقة متوسطة، أما في هذه الفترة فقد أصبح العداء سافراً. ولذلك سنجد كلا من الدولتين تعمل الواحدة منها على القضاء على الأخرى، ولعل أبرز مظاهر هذه العلاقة السيئة ثورة البساسيري، قام بها رجل يدعى أبو الحارث أرسلان البساسيري من موالي الديلم ينسب إلى بلد في فارس اسمها بسا، وكان هذا الرجل من أصل تركي قربه الخليفة القائم إليه، حتى لم يكن يأتي أمراً إلا بعد استشارته، وقلده الأمور، وخطب له على المنابر في العراق وخوزستان إلا انه كان شيعيا كالبويهيين لا يرى الخلافة الحقة إلا في أولاد فاطمة، ورث هذا عن سيده بهاء الدين البويهي فقد كان مملوكا له، وربما يمكننا أن نفسر بهذا السبب انقلابه على الخليفة القائم وتجبره عليه حتى جفاه، وقد رأينا من قبل كيف كان يفعل أسياده البويهيون بالخلفاء العباسيين، وإن كان معظم المؤرخين يذهبون إلى أن سبب سوء العلاقة راجعة إلى جفاءه حتى اضطر القائم إلى إبعاده، وأيد رئيس رؤسائه في عداوته له وفسد الأمر بينه وبين الخليفة حتى أدى الأمر إلى استنجاد القائم بالسلاجقة وما كاد طغرلبك يدخل بغداد حتى فر البساسيري إلى الموصل.
وجدت الخلافة الفاطمية في هذه الحوادث فرصة سانحة للانتقام والعمل على تقويض ملك العباسيين، كما أدركت الخطر من بروز السلاجقة من مواطنهم من تركستان، كقوة فتية على أبواب بغداد، ولذلك مشت الرسل بينها ومدته بيد المساعدة. وفي أبي المحاسن نص يؤيد وصول هذه المساعدة (إن الذي وصل البساسيري من المستنصر من المال خمسمائة ألف دينار، ومن الثياب ما قيمته مثل ذلك، وخمسمائة فرس، وعشرة آلاف قوس، ومن السيوف ألوف ومن الرماح والنشاب شيء كثير).
من قيمة المساعدة يتبين مقدار حماس الفواطم، كما يفسر قبول البساسيري لهذه المساعدة رغبته في الانتقام من أعدائه. ولذلك لم يتردد في المسير إلى بغداد بعد أن مهد لذلك بإيقاع الفتنة بين طغرلبك وأخيه إبراهيم ينال، وكان قد أطمعه في الملك، حتى خالف أخاه وعصاه على أية حال بالمساعدة القيمة التي قدمها له الفواطم وبولاء أهل الكرخ الشيعيين في بغداد، وبمساعدة حاكم الموصل تم له الاستيلاء على بغداد كلها وسارت جنوده في شوارعها، حاملة الرايات المستنصرية، وعليها ألقاب المستنصر صاحب مصر، ثم خلع الخليفة