للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المسرحية بين الكتابة والخلق]

للأستاذ يوسف الحطاب

من الظواهر التي كاد القرن العشرين يألفها: صدور المسرحية عن المطبعة لا خروجها من المسرح. وهذه الظاهرة إذا أنتشر ما انطوت عليه رأينا فيها مراوفا لأشكال خطير غفل عنه كثير من النقاد، لأنه يجعل المسرحية أدخل في باب الأدب من ناحية القصة والحوار، مع أنها أقرب إلى الفن بحكم طبيعتها.

ونحن نعرف أن التاريخ الحقيقي للفن المسرحي لم يبدأ بكتابة المسرحية بل ببناء المسرح، أي أن المسرحية لم توجد إلا بعد أن توفر الإطار المادي الذي برزت من خلاله. وليس هذا البناء جزءاً من فن العمارة، بل هو التحقيق الكامل لوجود الفن المسرحي. والمسرحية المكتوبة باعتبارها شيئاً صادراً عنه تتأكد صلتها به حين تراعي طبيعته الفنية، وتنفصم هذه الصلة إذا تجاهلت هذا الأمر، وبذلك تستحيل إلى قطعة من الأدب الخالص.

وإذا قيل إن المسرحية المكتوبة جوهر المسرح، فأن الوجود يسبق الجوهر. ووجود المسرح يؤكد نفسه في الموضوع الذي يتناوله حين يصوره من خلاله فيكسبه شكله ويحيله إلى كائن له مشخصاته وينتهي بنا إلى أنالمسرحية من المسرح تشاهد، لا من الكتاب تقرأ.

هذه هي الحقيقة التي رأيت أن نتفق عليها قبل تناول الأزمة الفنية التي يمر بها مسرح القرن العشرين - الأزمة التي تتمثل في كتابة المسرحية في كتاب أو كراسات لا ابتداعها فوق المسرح واتخاذ وحدات المسرح موضوعاً لها. وهو أمر نريد دفع فناني المسرح إليه.

ونقصد (بفناني المسرح) الفنانين الخلاقين لا ذلك النفر الذي جرى وراء بدعة تمزيق الفن وتقسيمه إلى أقسام: قسم يشتغل بالتأليف، وآخر بالإخراج، وثالث بالتمثيل. فما دام المسرح يمثل وجها من أوجه الحياة فلا بد أن تتوفر له عضويتها ووحدتها أما بدعة التقسيم هذه فمرجعها إلى طبيعة العصر الذي وجد به التقسيم وفكرة التخصص القائمة على التفرقة بين الأنواع.

والأمر المقطوع به أن طبيعة الكتاب ستظهر حتما في المسرح مهما حاول المؤلف إخفاءها. ومن هنا نرى غلبة عنصر الحوار مسرحيات القرن العشرين على العناصر الفنية الأخرى حتى لكائن شخصياتها عند التمثيل تقرأ بصوت عال كتاباً استظهرته. ولا أذكر

<<  <  ج:
ص:  >  >>