[كأس تفيض]
للأستاذ محمود غنيم
لكَ اللهُ لا تشكو ولا تتبرَّمُ ... فؤادكَ فيَّاضُ وثغرك مُلجَمُ
يفيض لسانُ المرء إن ضاق صدرُه ... ويطفحُ زيتُ الكيل والكيلُ مفَعم
وهل يُطبق العصفورُ فاهُ على الشجى ... ويمتلئُ الحاكي فلا يترنَّمُ؟
تعللتُ دهراً بالمنى فإذا بها ... قواريرُ من مسِّ الصَّبا تتحطَّم
لعمرك ما أدري على أيِّ منطق ... أُشاهدُ في مصرَ الحظوظَ تقسَّمُ
حملنا على الأقدار وهي بريئة ... وقلنا: هي الأقدارُ تُعطي وتَحرِم
فمن يَك ذا قُرْبى وصهر فأنني ... بمصرَ وحيدُ لا شقيقُ ولا حَم
فلا غروَ أني قد سكنتُ بأرضها ... كما سكنت أهرامُها والمقطَّم
وقفت مكاني لا أرِيم وإِخْمَصي ... على الشوك من طول السُّرَى تتورّم
كأني إطارُ دائرُ حولَ محور ... يسير بلا بطءٍ ولا يتقدَّم
وما أنا ممن تخطئ العينُ مثلَه ... ولكن تعامى القومُ عنيَ أو عَمُوا
أيذوي شبابي بين جدران قرية ... يبابٍ كأنَّ الصمتَ فيها مخيِّم
أكادُ من الصمت الذي هو شاملي ... إذا حُسِبَ الأحياءُ لم أك منهمُ
وعاشرتُ أهليها سنين وإنني ... غريبُ بإحساسي وروحيَ عنهمُ
يقولون: خضراءُ المرابع نضرَةُ ... فقلتُ: هبوها لستُ شاًة تسَوِّمُ
على رسلِكم إني أقيمُ بقفرةٍ ... يجوز على الأحياءِ فيها الترحُّم
سئمتُ بها لوناً من العيش واحداً ... فدارِي بها داري وصحبي همُ همُ
حياةُ كسطح الماء والماءُ راكدُ ... فليس بها شيءُ يَسُرُّ وُيؤلم
وما أبتغي إلا حياةً عنيفةً ... تسرّ فأرضى أو تسوءُ فأنقِم
حياةُ كلجِّ البحر والبحرُ زاخرُ ... تدُوِّي بها الأنواءُ والرعد يَهزِم
حياةُ بها جِدُّ ولهوُ، بها رضاً ... وسُخْطُ، لها طعمان: شهدُ وعلقم
فمن مبلغُ بنت المعز بأن لي ... فؤاداً عليها كالطيور يحوِّم؟
وأَنيَ من سبعٍ خلَوْنَ محافظُ ... على العهد إن خان العهودَ متَّيم