كان كمال الدين عمر العقيلي الحلبي رئيس الشام (٦٦٦هـ) من بيت علم. تولى خمسة من أهله منصب قاضي القضاة بحلب، وأكثرهم على جانب من الأدب والفضل، وكلهم مذ كان الإسلام يحفظ القرآن. وكان كمال الدين هذا محدثاً حافظاً مؤرخاً صادقاً فقيهاً مفتياً منشئاً بليغاً كاتباً محموداً. درس وأفتى وصنف، وترسل عن الملوك، وكان رأساً في الخط المنسوب لا سيما النسخ والحواشي (يقرأ الخط العقد كأنه يقرأ من حفظه. وأما خطه في التجويد والتحرير والضبط والتقييد فسواد مقالة لأبي عبد الله ابن مقالة، وبدر ذو كمال، عند علي بن هلال)(وهو أكتب من كل من تقدمه بعد ابن البواب) ترجم له ياقوت في معجم الأدباء وعرض لتراجم أهله، وكان ياقوت اجتمع بكمال الدين، وأخذ عنه وبالغ في مدحه، وقال إن من أجداده بني أبي جرادة، وكان أبناء العديم يُعرفون بهذا اللقب وقد كتب بخطه ثلاث خزائن من الكتب: واحدة لنفسه وخزانتين لابنيه، لكل منهما خزانة قال ياقوت وأنشدني لنفسه وبإملائه بحلب في ذي الحجة سنة ٦١٩ (وكان كمال الدين شاباً):
وساحرة الأجفان معسولة اللَّمى ... مراشفها تهدي الشفاء من الظما
حنت لي قوسي حاجبيها وفوَّقت ... إلى كبدي من مقلة العين أسهما
فواعجبا من ريقها وهو طاهر ... حلال وقد أضحى علىَّ محرما
فإن كان خمراً أين للخمر لونه ... ولذته مع أنني لم أذقهما
لها منزل في ربع قلبي محله ... مصون به مذ أوطنته لها حمى