لم أجد قبل اليوم فراغاً لأحدثك عن مشاهدي في السفر إلى بروكسل، ولولا وعد سبق في رسالتي إلى بثينة لوجدت من مشاغلي عذراً وأخرت الكتابة حيناً.
بلغنا جنوة ظهر الأحد ٢٥ جمادى الآخرة (٢١ أغسطس) فبدت المدينة مطلة على خليجها بين أمواج البحر وقمة الجبل. وما راقني مرآها ولا راعني، ولكني حينما دخلتها رأيت مدينة نظيفة الأبنية فسيحة الطرق رفيعة الأبنية يلفت الوافد إليها ضخامة البناء ورفعته، لها على البحر شارع طويل تفضي إليه شوارع أخرى ذات بهاء وضخامة
ولن أحدثك عن شيء في هذه المدينة إلا شيئاً واحداً لا يخطر ببالك أني أحدثك عنه: سمعنا ونحن على الباخرة أن مقبرة جنوة ومقبرة ميلانو جديرتان بالزيارة، ثم نزلنا إلى المدينة مزمعين أن نبيت بها لنستجمَّ ونستعدَّ للمرحلة الثانية. وغادرنا الفندق في العشىَّ نجول في الأرجاء، وبدا لنا أن نسأل عن طريق المقبرة.
ثم عنَّ لنا أن نركب تراما فنذهب معه إلى منتهى مسيره لنرى بعض جوانب البلد! ركبنا فسألنا العاملُ: إلى أين؟ قلنا: إلى نهاية الطريق. وبلغ الترام أطراف البلد وما زال حافلاً بالراكبين. فقلنا: إن للمكان الذي نسير إليه لشأنا. وإلا فما بال الناس لا ينزلون وقد أوشكنا أن نخرج من عمران المدينة؟ ثم بلغ الترام غايته، فإذا الناس يتجهون وجهة واحدة يؤمون باباً رفيعاً واسعاً. قلنا: أتراها مقبرة المدينة؟ ورأينا على جانبي الطريق باعة الأزهار، وأبصرنا كثيراً من الداخلين يحملون طاقات من الزهر فغلب على ظنّنا أنها المقبرة. ثم ولجنا الباب فإذا هالات من الأزهار مسندة إلى الجدار، ثم ولجنا باباً آخر فإذا مدينة الأموات: ماذا عسى أن أصف من مقبرة جنوة الهائلة؟ أصف لك بعض ما وعيت منها، والذي وعيته بعض ما رأيت. ولم أر المقبرة كلها. .