يرى المتتبع لتاريخ فلسطين، أن الريف كان شاهداً لكثير من المعارك والحوادث الجسام. وقد ضمنت تربيته المقدسة رفات الكثيرين من الصحابة والتابعين الأكرمين.
وفد رأينا أن نسجل على صفحات مجلة الرسالة الغراء ما عثرنا عليه في المصادر العربية، مما يجهله الكثيرون.
ونرجو أن يتسع المجال لنشر ما توصلنا إليه فيرى القراء الكرام، ما أخرجه هذا الريف من رجال العلم والحكم في مختلف العصور، وما تغنى به فحول الشعراء منذ القرن الهجري الأول حتى زوال الدولة العثمانية.
وقد شهد هذا الريف (أجنادين) و (طاعون عمواس) و (ومقتلة الايوبيين) عند نهرأبيفطرس (العوجا) و (حطين) التي هزم فيها الإفرنج، (وعين جالوت) التي قضى فيها على التتار، إلى غير ذلك من الحوادث والمعارك الفاصلة في التاريخ العربي
على أن الريف قد حرك خيال الشعراء، فكان لشعر جرير والمتنبي، وليلى الأخيلية، وجميل، منه نصيب أي نصيب.
ونحن نعلم ونحن نكتب هذه السطور أن بعض الجهلة والمغرضين من الكتاب، والخصوم، قد شوهوا جمال هذا الريف، وقللوا من شأنه كما نعلم أن أهله قد نسوه ونبذوه وأهملوه فأصبحت. كلمة (فلاح) أو (قروي) مرادفة لكلمة جاهل أو محتقر، حتى صار أبناء الريف أنفسهم يشعرون أنهم من طينة غير طينة أبناء المدن المترفين. ومشى مع هذا شعور بالضعة والمذلة تملك النشء القروي وطغى عليه، فصار إذا ما رأى طالباً نال شهادة الاجتياز إلى التعليم العالي رأى في ذلك أمراً عجباً؛ وإذا ما سمع باسم عالم ريفي يشغل مركزاً في القضاء أو الحكم أستغرب وتعجب، كأنما العلم وقف على المدن والحواضر دون الريف، فكان من جرّاء هذا لشعور المغلوط أن تشّبع أبناء المدن بشعور مبالغ فيه في تقدير قيمة المدن إذا قيست بالقرى فكأنما العلم منشؤه المدن، وكأن الفلاح إنما هو أداة حراثة وحصاد يجد ويشقى لينعم بآثار جهده أبناء المدن وهم قابعون.
على أن الذي ينعم النظر يرى أنه كان لأبناء الريف في فلسطين القدح المعلى في شتى