في التشريع الإسلامي أسرار لا يعلمها إلا من طهر الله قلوبهم لحكمته، وألهمها من العلم ما لا يقاس به شيء عندها. وقد كان الناس يظنون أن الحكمة في تحريم لحم الخنزير تعبدية إلى أن أخذوا في هذا العصر يلتمسون حكم التشريع، ويعنون بالبحث عن فوائده ومزاياه؛ فحينما بحثوا في حكمة تحريم لحم الخنزير ظنوا أنه استثناء من أصل أحل لحمه، فأخذوا يبحثون في تحريمه عن حكمة خاصة به. وقد ذكروا من ذلك أن الخنزير يصاب في كثير من الأحيان بديدان تنتقل منه إلى من يأكل لحمه، وتتربى في جسده، فتكون منها الدودة الوحيدة الخطيرة؛ وذكروا أيضاً أن في الخنزير ديداناً أخرى تتربى في لحمه يقال لها (تريشين)، ومن عادتها أن تكون محاطة بكيس ينتهي أمره بأن يتحجر فتموت تلك الدودة فيه، ولكن هذا لا يكون إلا بعد أن تلد ألوفاً لا تحصى من الديدان، وكل دودة منها ينتهي أمرها إلى مثل ما انتهى إليه أمر الدودة الأولى، فإذا أكل الإنسان لحم الخنزير نزلت هذه الأكياس الحجرية الحاوية لهذه الديدان إلى معدته، وذابت فيها بتأثير العصارة المعدية، فتخرج منها ديدانها وتتكاثر في جسمه وتسكن في لحمه، وهذا من أقبح الأمراض وأشنعها وناهيك بمرض يكون فيه لحم الإنسان كله مساكن لتلك الديدان المؤذية.
وقد يكون هذا من ضمن الأسباب التي حرم الله بها لحم الخنزير، وإن كان لا يوجد له نظير فيما حرم الله أكله علينا؛ ولكن يبقى بعد هذا أن يقال: هل حرم الله علينا الخنزير لأنه خنزير، أو لأنه من جنس السباع التي حرم علينا أكلها لحكمة عظيمة سنبينها؟ ولقد سألني بعض المخالفين منذ سنين عن الحكمة في تحريم الإسلام لحم الخنزير، فأجبته بأن الله حرمه لأنه سبع من السباع، ثم ذكرت له الحكمة في تحريم لحمها. فسكت سكوت المفحم أو المقتنع، ولم يعقب على كلامي بكلمة تبين لي حقيقة أمره، فاكتفيت منه بذلك وتركته، وهأنذا أفصل هنا ما أجملته في جوابي له:
روي عن أبي هريرة رضي الله عنه النبي صلى الله علية وسلم قال: كل ذي ناب من السباع فأكله حرام. فهذا الحديث يدل على تحريم ما له ناب من السباع، والناب هو السن خلف الرباعية، كما جاء في القاموس، والسبع هو المفترس من الحيوان كما جاء في