للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التربية الأدبية]

للأستاذ محمد محمود زيتون

يحكى أن ملكا من ملوك الفرس غضب على وزير له إثر شائعات ودسائس حتى دنت رقبته من حبل المشنقة. وفي ساعة التنفيذ وقع نظر الملك على بنت الوزير وقد رآها سافرة على غير عادة الفرس من الحجاب، فبعث إليها من حاشيته من يقول لها:

مولاي يعجب كيف لم تتقنعي ... قالت له: أتعجبا وسؤالا

ما كان للحسناء تكشف وجهها ... لو أن في هذي الجموع رجالا

في هذا اللون من فن القول ما يكفي للدلالة على أهمية الأدب في الحياة الإنسانية، ذلك بأن الأدب يهتف في دوافعه ونوازعه بمظاهر الشعور، فاللفظ مسموعاً ومقروءاً أول ما يتصل بالإحساس الذي يوصله بدوره إلى الوجدان فتتفاعل فيه العناصر الأولى للعاطفة. فما يلبث الإنسان أن ينزع إلى إتيان أمر أو تجنب آخر

وإذ ذاك يكون الأدب غير دخيل على النفس. لأنه منها يستفرد، ومعها يجري، غير أن (للصورة الأدبية) لا تقف طويلا بباب الشعور، وإنما هي تحمل (جواز المرور) بما تأهلت له من جرس جميل، وخيال هائم ومعنى كريم.

بهذا يكون صاحب هذه الصورة قد وجد أصداء نفسه تتردد في جوانب غيره بطريق (الإيحاء) الذي يقوم بدور كبير في نقل التجارب من المعلم إلى المتعلم.

ولما كانت التربية الكاملة تقوم على علاج البدن والعقل والروح بحيث تتعالى الغرائز عن المستوى الحيواني، فقد بقي على التربية وتنسيق القوى النفسانية بحيث لا ينمو البدن على حساب العقل والروح أو عل العكس.

والأدب كفيل بتحقيق هذه الغاية، إذا هو يتفاعل أولا مع الروح، ومنها تنبثق مؤثراتها على كل من البدن والعقل. وقد أثبتت تقارير (علم النفس الطبي) أن معظم الأمراض التي تنتاب الجسم، مردها إلى انفعالات عنيفة. واستطاع تلاميذ (سيجموند فرويد) أن يعالجوا قلة اللبن في أثداء الأمهات بعزف بعض القطع الموسيقية، كما استكثر بعض الصيادين من السمك باستعمال الحاكي (الفوتوغراف) فتهافت السمك على النغم من كل مكان.

وقديماً قالوا (العقل السليم في الجسم السليم) وهذا خطأ، فقد فطن الأطباء السيكولوجيون إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>