للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في أرجاء سيناء]

للدكتور عبد الوهاب عزام

- ٢ -

من أبي زنيمة إلى الدير

خرجنا من أبي زنيمة والساعة ثمان من صباح الثلاثاء ثالث عشر ذي الحجة، فسرنا على الساحل بين البحر عن يميننا والجبل عن يسارنا صوب الجنوب زهاء أربعين دقيقة، ثم ملنا ذات اليسار تلقاء الشرقية في سهل واسع كثير الحجارة والتلال قد استبانت فيه الطريق واستقامت، فأسرعنا عشر دقائق حتى بلغنا وادياً تشرف على جانبيه جبال رملية مصفرّة ثم جبال حمراء شاهقة، أدّى بنا إلى صخور عظام عليها نقوش بخط سرياني، فنزلنا عندها قليلاً والساعة عشر، ثم ركبنا فمررنا بعد ساعة بواحة ناظرة جميلة وجبال رائعة شاهقة محمرّة لا مختلطة الألوان. وجبال سيناء كثيرة الأشكال والألوان، قد ألحّت عليها الشمس والرياح والأمطار على مرّ العصور تحطيماً وتشكيلاً وتلويناً، فما يزال الرائي في عجب من اختلاف مرائيها وكثرة أشكالها. وقد وجدت فيها تفسيراً بيّناً للآية:

(ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها، ومن الجبال جُدَدِ بيض وحمرٌ مختلفٌ ألوانُها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك. إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء).

وبعد نصف ساعة من الراحة الأولى رأينا أشجاراً ونخيلاً تملأ الوادي، فعرفنا أننا في وادي فاران. وبعد مسيرة خمس دقائق في هذه الخضرة بلغنا ديراً عليه سور قصير وفيه حديقة، وهو دير فاران التابع لدير سنت كترينا الكبير. نزلنا هناك لنستريح في الدير ونرى ما فيه.

دخلنا الدير فرأينا مجرى ماء بارد عذب، فعررنا أنه ينبوع الحياة في هذه الواحة الكبيرة. وصعدنا على سفح الجبال المشرفة على الدير فإذا بناء قديم من اللِبن مهدم هو بقية كنيسة. ورأينا على عدوة الوادي الثانية وفي بسطته أنقاض أبنية وآجر وحجارة منثورة قيل إنها آثار مدينة فاران، وصوامع كانت لتعبد الرهبان فيه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>