لقيت في الآستانة منذ خمسين عاماً شيخاً جليلاً ينقب عن الكتب، ويتحدث عن نوادرها، وعرفت أنه الشيخ خليل الخالدي رئيس محكمة الاستئناف الشرعية في القدس
ثم شرفت بلقائه في مصر مرات. كان كلما قدم القاهرة تفضل فزارني في الجامعة. تقابلنا مرة فتكلم عن الكتب والمؤلفين كلام خبير بحاثة. فحرصت على لقائه والإفادة منه فراعني علم لا ينفد، وحفظ لا يخطئ
يبدأ حديثه عن الكتب، فيذكر أنه رأى كتاب كذا في مكتبة كذا، ويصف النسخة وما عليها من سماع العلماء، ثم يتكلم عن قيمة الكتاب ومكانته بين أشباهه، ويذكر المؤلف فيبين عن تاريخه ومكانته من العلم، ودرجته بين العلماء، وهلم جراً، يفضي من حديث إلى حديث، والسامع فرح بما يسمع، معجب متعجب. وقد زار مكاتب الآستانة والأناضول وفينا والشام ومصر وبلاد المغرب والأندلس، ونقب فيها عن نفائس الكتب، فأحاط بما لم يحط به سواه. والشيخ حفظه الله منقطع النظير في هذا الموضوع ما رأيت ولا سمعت بمثله
وهو من أسرة الخالدي إحدى أسر الشام العظيمة، تنسب إلى سيدنا خالد بن الوليد. وهي معروفة في التاريخ بأسرة الديري، وفيها العلماء والقضاة في الشام ومصر منذ خمسمائة وخمسين سنة
والشيخ نزيل القاهرة الآن. وقد أسعدني الجد بلقائه مرات في شعبان ورمضان هذا. وأرجو أن أسعد أنا وأصدقائي بحديثه مرات أخرى قبل رجوعه إلى فلسطين
وقد حرصت أن أكتب عن الشيخ بعض أحاديثه دون أن أشعره بذلك، فلما اجتمعنا في حلوان ليلة السبت ثامن رمضان، سأله بعض الحاضرين سؤالاً فشرع في حديثه، فدونت بعض ما قاله إجمالاً، ثم عدت إليه بعد انفضاض المجلس ففصلته على قدر ما وعيته. وإني أقدم للقارئ هنا ما حفظته عن الشيخ العلامة في ذلك المجلس:
سأل أحد الحاضرين عن المدارس ذات المكانة في التاريخ الإسلامي فقال: المدارس النظامية كانت في بغداد والموصل، وأصفهان ونيسابور، ومرو وهراة، وكان في نيسابور مئات المدارس: منها المدرسة البيهقية. ومدرسة ضياء الدين في سمرقند، وكان يقيم بها