لم يكن من طبيعتها الزهو والمباهاة، ولكنها تشعر الليلةَ بين لِداتها وصواحبها أنها قد بلغت مرتبةً من حقها أن تُزْهي بها وتفتخر؛ إنها خطيبة (سامي)، وهذا خاتم الخطبة في إصبعها يزهو ويتألَّق شعاعه؛ وأي صواحبها لم تعرف (سامي) أو تسمح به، وإنه من الشهرة وذيوع الصيت حديثُ كل فتىً ونجوى كل فتاة!
وراحت (رشيدة) تخطر بين رفيقاتها تتقبل التهاني وتوزّع الابتسامات مغتبطةً سعيدة، لا تكاد تستقر على مقعد من خفة الفرح ونشوة المسرة. . .
. . . ثم انفضَّ السامر وخلت (رشيدة) إلى نفسها تحلم بما كان وبما يكون، وتتهيأ لليوم السعيد المنتظَر!
فتى في ربيع العمر، لم يفتنه الشباب ولم يبطره الغنى، تنوَّر أملاً بعيداً فمضى يشق الطريق إليه في عزم وقوة، وبلغ؛ وبرز اسمه في الطليعة من أدباء الجيل ولم يزل في أول الطريق، وذاع اسمه كما ينفذ شعاع الصبح فتكتحل كلُّ عين من نوره ويصحو كل نعسان؛ وشدَت القمارِيّ بأغانيه في الرياض، وهتفتْ بها العذاري، وتغنَّى الفِتيان. . .
. . . ودُق الجرس ذات مساء في دار رشيدة، وجاء سامي يخطبها. . .، وتوافد لِداتها وصواحبها يهنئنها ويتمَّنين لها. . .
. . . وراحتْ تتخيَّل نفسها إلى جانبه يمشيان ذراعاً إلى ذراع تحدِّثه ويصغي لها، والناس تهتف باسمها واسمه، والعيون تتبعهما حيث يتنقلان من روضٍ إلى روضٍ في طريق مفروش بالزهر، والأصابع تشير إليهما في همس: أئنه لَهُوَ، وإنها. . .
ولذَّها الحُلمُ السعيد، فطارت بغير جناح تحلّق في وادي المنى سكرَى!
وتابعتْ على عينيها صُور؛ وأفاقتْ من سكرتها مذعورة لصورةٍ عَرَضَتْ؛ وتخيَّلتْه يحفّ به فتياتٌ يسألْنه ويجيب وفي عيونهن معانٍ وفي عينيه معنى؛ ولذعتها نار الغيرة وساورها القلق، وراحت تسأل نفسها: أتُراه - وهو مَن هو - لم يفتح قلبَه لفتاة قبلها ولن يفتحه؟ فكيف، ومِن أين لها، وإن اسمه لحديثٌ على الشفاه ونجوى في القلوب!. . . أم تراه يخلص