ما أسعد هؤلاء الذين يستطيعون قراءة الأفكار! إنهم يحيطون بنظرة واحدة بكل ما يدور في رؤوس الناس فيدركون ما يكنونه لهم من حب أو بغض. ولا تجدي في خداعهم هذه الوجوه التي تكتسي بمظاهر انفعالات كاذبة، ولا هذه الكلمات التي لا تنطوي حقيقتها إلا على الحقد والشر! فيدركون بنظرة واحدة تنفذ إلى أعماق النفس، وتسبر أغوار القلب إن كان من يخاطبونهم صادقين أو كاذبين! مخلصين أو مخادعين! أشراراً أو أخياراً! ويعيشون بفضل هذا العلم سعداء مجدودين!
تواردت هذه الخواطر على ذهنه وهو جالس إلى المائدة أمام صديقه الجندي الهندي، وكان قد التقى به لأول مرة في إحدى القهوات العامة وعلم منه أنه أحد أفراد الوحدات الهندية التي جاءت إلى مصر فيمن جاء من جنود الحلفاء للدفاع عن الإمبراطورية! واتصلت بينهما صداقة متينة فقد كان الجندي (نهرو) مثالاً لدماثة الخلق ولين الطباع. وكان إلى ذلك ملماً إلماماً واسعاً بعلم قراءة الأفكار!
بهر أحمد هذا العلم الذي يمزق أستار المجهول ويرده في نظرة واحدة واقعاً ملموساً. . ولقد قرأ نهرو أفكاره وتحقق له أن ما قاله كان صحيحاً كله!
ود أن يبلغ مبلغ نهرو من القدرة على قراءة أفكار الناس. . واستغرق في تأمل عميق حلو وقد شبه له أنه وهب هذه القدرة. . وبدا له أنه ليس على أديم الأرض من هو أسعد منه!
لقد صارت له نظرة نهرو الفاحصة النافذة. . ولن يعود في مستطاع عملائه الكثيرين أن يخدعوه، وسيعرف من منهم الذي يبيت له النيات الطيبة ومن الذي يبيت له النيات الخبيثة. . فيعامل الأول ويجفو الثاني. . وسيحرر نظره في وجوه أصدقائه الكثيرين فيعرف المخلص من المنافق. . والطيب من الخبيث ويستخلص لنفسه منهم هؤلاء الذين اجتازوا بنجاح امتحانه الصامت الرهيب الذي لا يعلمون عنه شيئاً لأنه لن يطلع أحداً على أنه أوتي هذه الموهبة الفذة!
أما هؤلاء الذين يريد أن يفيد منهم، فإنه سيمرر في وجوههم نظره الثاقب فيعرف المرتشي