قال لي صاحبي أديب. . . ومن العجب أن يقول:(وهل هناك رجل يرى زوجته مع رجل غريب على فراشه فلا تظهر آثار رجولته وغضبه إلا في خطاب يخاطب فيه بكلام يشبه الفلسفة؟ أهذا هو الرجل في الشرق أم في الغرب؟) هذا كلام فيه سخرية منى لاذعة وتهكم من الفلسفة مرير، فهو يسم الفلسفة بالعجز والفتور ويصورني رجلا خوار العزيمة جبان القلب؛ ذلك لأن صاحبك لم يستطع أن يستشف ما وراء السطور من ثورة جامحة عنيفة تتبدى حينا في عنف وتتوارى حينا في أسى، ولأنك أنت يا صديقي - حين كتبت القصة - جعلت اللص دبر أذنيك فما تحدثت عن شأني وشأنه بكلمة واحدة، وأنا قد نشرت على يديك جملة الخبر فقلت لك إنني حين أحسست بالطعنة القاسية تتغلغل في قلبي هدرت هدير الجمل الهائج غاظه عبث طفل أحمق، فانطلقت صوب الخائن والخائنة أحتدم احتداماً جارفاً، فلم أدع الرجل يفلت من يدي إلا بعد أن صار حطاماً من إنسان ثم قذفت به إلى الشارع وهو لا يكاد يتماسك مما ناله من تورثي وبطشي. ثم اندفعت في فوره الغضب أفتش عن الخائنة - وقد توارت عن عيني - فما راعني إلا أن أسمع صوتاً رقيقاً ندياً يناديني: بابا. . بابا! فالتفت فإذا أبني الأكبر يشتد نحوي على عادته كلما أقبل من روضة الأطفال. . . يشتد نحوي ليتشبث بي ويتعلق بعنقي ويغمرني بقبلاته الحارة، وفاضت مشاعره الطاهرة الجياشة يتوثب الحب من خلالها ويتأرج الصفاء من أضعافها. آه يا قلبي! لقد شعرت بقبلات الطفل تلفني في جو من الهدوء والسكينة وتكبت الثورة العنيفة في قلبي وتستلبني من حيوانيتي العمياء، وضننت أنا بأعصاب الطفل أن تتحطم حين يراني اهجم على أمه في قسوة وعنف أذيقها وبال أمرها، فأمسكت حتى حين. وانطلق الطفل ينادي اخوته فتدفقت رنات صوته في أغوار قلبي نغماً موسيقياً أخاذاً يدفعني إلى هؤلاء الملائكة الصغار. . . إلى أولادي. . . إلى أحبائي. ورأيت الطفل يدور في الحجرات يبحث عبثا عن أخوته في جنون وشغف. لقد أرسلتهم الخائنة مع الخادم إلى دار أختها ليخلو لها الجو