للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نظرة في مناظرة]

للأستاذ محمد توحيد السلحدار بك

قال بعض أصحاب الفكر والذوق للمعاني: إن الثقافة وعي أطراف صالحة من أثمار العقول، العلمية والفنية والأدبية، بها يلتفت المثقف إلى المبادئ والأسباب والقوانين والحقائق، ويرشد قومه إلى الأصلح لحالهم، والأنفع لترقيتهم، والأخلق بالإنسانية. . .

ومناظرة الأستاذ العقاد بكلية الآداب - في أن (التراث الشرقي كاف لنضج الحياة العقلية بين الشرقيين) - هي مشاركة في بحث يمت إلى هذه الثقافة، إذ يرمي إلى إنارة الأذهان بالكشف عن الحقيقة في الخلاف بين الذاهبين إلى الأخذ عن الغرب وبين القائلين بالاقتصار على تراث الشرق، في سبيل نهضتنا؛ والحقيقة تتبين من مقابلة الشيء بضده، والموازنة بين الرأيين

ألقى علي الأستاذ الفاضل عبء الدفاع عن الرأي الذي يصعب تأييده، وهو ابن بجدته، فجاء من الحجج بما يعسر الخروج منه. وكان كلامه، مع إيجازه المطابق لمقتضى المقام، أحسن ما يستطيع مثقف أن يقول في الموضوع. وفي الأدب العربي فصول في مثل إيثار الدمامة على الجمال، ونحو ذلك من الموضوعات التي لا يجيد متناولها إلا بأوفر دراية ولباقة. لكن ذلك الكلام أذكرنا مناقضات نوردو للآراء المألوفة في الاجتماعيات والنفسيات، ورسالة روسو في حمد الجهل وتفضيله على العلم، وقد أجازه عليها مجمع ديجون وكدنا نصدقها يوم قرأناها

استخدم المناظر منطقاً وبياناً في طريقة حصيفة هدته إليها ثقافته؛ وصاحب المنطق يستطيع أن يهدي به ويضل، وصاحب البيان ساحر، والثقافة قدرة إن شاء حائزها أحالت الهدى ضلالا والضلال هدى، وهو لم يشأ، بل أراد فتق الأفكار والآراء بالمناقضة، وتعليم النظر الأدبي وذلاقة اللسان بالمثال البارع؛ وافتتح كلامه بقوله (كان من نصيبي) أن أؤيد هذا الرأي، فكأنه أراد أن ينبه في لطف على قبوله القيام بهذا التأييد كي تقوم المناظرة المفيدة؛ ولم يقل أن رأيه الشخصي هو الاكتفاء بالتراث الشرقي، وإن ساق الحجج الحاذقة في كفايته لنضج الحياة العقلية (عند الشرقيين)

قال: إن تراث الشرقيين هو (ما لهم من أشعار ومواعظ وأمثال وحكايات وآداب وقواعد

<<  <  ج:
ص:  >  >>