كان الخراج في الدولة الإسلامية من أهم موارد بيت المال، فلما فتح العرب مصر وجبا عمرو بن العاص خراجها لم يرْض عمر بمقدار الخراج، وظن في عمرو الظنون، فأرسل إليه ابن مَسلمة ليقاسمه ماله، ثم عزله سنة ٢٣هـ قبيل وفاته بقليل عن ولاية الصعيد وأسندها إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح. فلما ولي عثمان الخلافة عزل عمراً وولى ابن أبي سرح مصر كلها، فكان ذلك سبب الجفاء والعداوة بين عمرو وعثمان حتى قيل إن عمراً أخذ يؤلب الناس على عثمان وعلى سياسته وإن له ضلعاً في مقتله
على أن ابن أبي سرح لم يكد يستقر في ولاية مصر حتى انتفض الرومان وكتب أهل الإسكندرية إلى قسطنطين بن هرقل إمبراطور الروم يصفون له ما هم عليه من الذلة والهوان ويهونون عليه فتح الإسكندرية لقلة من بها من حامية المسلمين، فأنفذ قسطنطين قائده الأرمني الإسكندرية على رأس جيش كثيف فاستولى عليها وأخذ جنده يعيثون في الأرض فساداً حتى وصلوا إلى مدينة نقيوس
ولم يكن قبط مصر يرحبون برجوع بلادهم إلى حوزة الرومان خوف أن يسوموهم الخسف والهوان لما قاموا به من مظاهرة العرب ورضائهم بحكمهم من جهة، ولما كان بينهم وبين الرومان من الخلاف المذهبي الذي كان مصدر شقائهم ومصائبهم في عهد الرومان من جهة أخرى. فكأن عودة مصر إلى حوزة الروم معناه زوال تلك الراحة والطمأنينة اللتين تمتع بهما المصريون في ظل الحكم الإسلامي
لهذا كتب قبط مصر إلى عثمان يلحون في إسناد حرب الرومان إلى عمرو بن العاص لما أحرزه في حروبه معهم من الخبرة الناشئة عن طول المراس، ولأنهم أنسوا فيه الدراية والكفاية على رد غارات الأعداء بخلاف ما كانوا يعرفون عن واليهم الجديد، فولى عثمان عمرا الإسكندرية على أن يتولى حرب الرومان وإخراجهم من مصر