لعل د. هـ لورنس أجدر القصصيين المحدثين بالدراسة والبحث وأحقهم بالذكر والتنويه. فهو ظاهرة طبيعية فذة كتلك الظواهر التي تبرز إلى عالم الوجود كلما ارتقى الفكر وتقدم العصر وتعقدت الحضارة. وهو كغيره من الكتاب له نواح من الإجادة والافتنان يغبطه عليها القارئ والناقد، وله نواح من النقص والضعف ينعيها القارئ والناقد أيضا. وتفسير ذلك هين ميسور، ذلك أن لورنس كان فنا مطبوعا، ولكنه يخشى أن يتملك الفن زمام نفسه ويطغي على حواسه، فهو يضطرب لذلك أشد الاضطراب، ويجزع لذلك أشد الجزع، ومادام في نفس الفنان اضطراب وجزع، ففي نتاجه اختلال وقصور. ولورنس أمير من أمراء الكتابة الفنية عند الإنجليز بلا مراء، لا يسبقه في هذا المضمار أحد من الكتاب القرن العشرين. ولا غرو فقد كان نادرة في انتقاء الكلمة اللائقة، وصياغة الاستعارة المبتكرة، تتصرف أنامله الرقيقة الصناع في اللغة فتخلقا خلقا جديدا، وتضفي عليها ثوبا شعريا جميلا تجعلها أقرب الشبه بالشعر المنثور منها بالنثر الرقيق الأنيق.
وينفرد لورنس من بين سائر الكتاب بالجدة والطرافة والابتكار التي تبدهك دون كبير انتباه فيما تقرأ له من وصف وقصة ومقال. وحسبه أنه كاتب الفكرة وأنه كاتب العاطفة؛ ولكنه ليس كاتب الفكرة الصرفة أو العاطفة الخالصة. فهو يقول (أنا أفكر) ثم يستدرك سريعا ويقول (أنا أحس). ومن ثم فإن الفكرة والعاطفة عنده تتدخلان وتتشابكان وتطغى كل منها على حدود الأخرى. وعهدنا بالعاطفة المشبوبة أن لها شأنا كبيرا في تلك الرنة الموسيقية الرائعة التي تشيع في كتابات كبار الكتاب وأئمة الروائيين. فلا عجب إذن أن يكون لأسلوب لورنس وقع جميل وسحر أخاذ.
ولد لورنس من آب سكير عربيد، يشتغل بالتعدين قي قرية بالقرب من نوتنجهام، وقد حرم عطف الأب منذ نعومة أظفاره، إذ كان أبوه متهالكا على اللذات غارقا في غمرة من المفاسد والموبقات، فلم يلق بالا إلى أسرته ولم يرع مصالحها، غير أن حدب ألام عوضه ما قد فقده من عطف الأب. إذ كانت أمه تنفث فيه موجه أثر موجه من ذلك الحب الحبيس الذي كانت تحتجزه لزوجها أيام أن كانت تعده رجل أحلامها ومحط أمالها. ويحدثنا لورنس في