حب تتبع الحوادث وحكايتها مركب في الطبع الإنساني، ولكن القصة كانت آخرور الأدب ظهورا، فلم تعرفها الآداب القديمة ولم تظهر في الآداب الأوربية الحديثة إلا أخيرا، ولذلك أسباب منها الوهم الذي وقر في نفوس الأدباء المتقدمين وإن يكن يبدو لنا اليوم غلطه واضحاً: أعني توهم أن القصة إن هي إلا أحبولة أكاذيب لا يليق بالأديب الراقي أن يلهو بحوكها، وأن القصص مرتبة من التأليف سهلة يستطيعها كل من رامها فلا يجمل بالأديب القدير أن يتدلى إليها.
ومن ثم كان العرب يؤثرون الأخبار التاريخية والأدبية ويخصونها بالحفظ والرواية مهما خالطها التحريف، لاعتبار إنها حقيقة لا اختلاق، وكثرت بينهم كتب التواريخ والسير دون كتب القصص، ومن ثم أيضا لم يسلك سبيل القصص من الأدباء المجيدين إلا من كان له غرض آخر دون القصص يوهم قراءه أو يوهم نفسه أنه الغاية التي إليها يقصد: إما بإعطاء القصص مغزى وعضياً كما في كتاب كليلة ودمنة، أو بإلباسه ثوباً قشيباً من الصناعة البلاغية كما في مقامات الهمذاني والحريري، بينما تركت الأقاصيص المجردة للعامة الذين يفشو بينهم القصص في كل العصور نتيجة لذلك الميل الطبعي في الإنسان، وتتداول بينهم أساطير المردة والسحرة ووقائع الأبطال الغازين ومخاطرات التجار والملاحين ونوادر الظرفاء والمعتوهين.
بيد أن القصة إن انعدمت من الآداب اليونانية والرومانية القديمة ومن الآداب الأوربية الحديثة إلى عهد قريب، فقد قامت مقامها عند تلك الأمم الرواية التمثيلية التي تؤثر في النفوس لا من طريق الميل الطبعي إلى القصص وحده، بل من طريق أخرى هي الميل إلى محاكاة الأشخاص وتقليد الحركات، ومن طريق ثالثة هي الثوب الخيالي الشعري الذي اسبغ على تلك الروايات التمثيلية.
ثم التفتت رويداً رويدا إلى أحوال المجتمع فتناولت وصف شؤونه وتصوير أخلاق أفراده، أما العرب فلم تقم لديهم لا القصة المقروءة ولا الرواية التمثيلية، فإلام يعزى ذلك؟ يعزى إلى أمرين: أولهما إيجابي هو موقف أدباء العربية من مجتمعهم، وثانيهما سلبي هو مكانة