هذا التنويم المغناطيسي قديم، وقد عرفته الحضارة العربية يوم كانت، وقيدته بالكتاب، وأثبته بعضهم في مجلة العجائب وجريدة ما وراء الطبيعة، وحاول العلماء تعليله وتفسيره فعجزت ذرائع علمهم في ذلك الوقت عما حاولوا. وهل اهتدى إليه علم الغربيين إلا منذ حين؟
وأول من ذكر التنويم المغناطيسي في العربية - وأن لم يسمه باسمه - هو (أوحد الزمان أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا البلدي) في كتابه (المعتبر) منذ أكثر من (٨٠٠) سنة
قال الوزير جمال الدين يوسف القفطي في كتابه (إخبار العلماء بأخبار الحكماء): (هبة الله بن ملكا أوحد الزمان طبيب فاضل عالم بعلوم الأوائل، وقريب العهد من زماننا. كان في وسط المائة السادسة، وكان موفق المعالجة لطيف الإشارة. وقف على كتب المتقدمين والمتأخرين في هذا الشأن وأعتبرها واختبرها، فلما صفت لديه وانتهى أمرها إليه صنف فيها كتاباً سماه (المعتبر) أخلاه من النوع الرياضي وأتى فيه بالمنطق والطبيعي والإلهي فجاءت عبارته فصيحة، ومقاصده في تلك الطريق صحيحة. وهو أحسن كتاب صنف في هذا الشأن)
وقال ابن أصيبعة في (عيون الأنباء في طبقات الأطباء): (أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا كان في خدمة المستنجد بالله (العباسي) وكان له اهتمام بالغ بالعلوم وفطرة فائقة فيها، وله من الكتب كتاب (المعتبر) وهو من أجل كتبه وأشهرها في الحكمة)
وهذه قصة ذاك التنويم كما حدث أبو البركات:
(والمرأة العمياء التي رأيناها ببغداد، وتكررت مشاهدتنا لها منذ مدة مديدة قدرُها ما يقارب ثلاثين سنة، وهي على ذلك إلى الآن تُعرض عليها الخبايا فتدل عليها بأنواعها وأشكالها ومقاديرها وأعدادها دقيقها وجليلها؛ تجيب على أثر السؤال من غير توقف ولا استعانة بشيء من الأشياء، إلا أنها كانت تلتمس أن يرى أبوها (المرءَ) الذي يسأل أو يسمعه، فيتصور الدهماء أن الذي تقوله بإشارة من أبيها، وكان الذي تقوله يبلغ من الكثرة إلى ما يزيد على عشرين كلمة، وإنما كان أبوها يقول إذا رأى ما يراه من أشياء كثيرة مختلفة