وإن تعجب فعجب لأمريكا القوية العالمة كيف عمى عليها فلم تتبين الحق الأبلج الوضاء كأنه الصبح المشرق، من الباطل الخبيث المعتم كأنه قطع الليل البهيم:
حق فلسطين العربية المجاهدة، وفي يمينها سفر يسطع بالكفاح المجيد، والتاريخ العتيد، والتراث التليد، والحجج الدامغة؛ ومن ورائها جمهرة بنيها تلهج بلسان عربي مبين، وتتقد حماسة، وتشتعل وطنية في الدفاع عن الوطن الغالي، متحدية في شمم وكبرياء مال اليهود وجيش الإنجليز.
وباطل الصهيونية المدلسة الغاشمة، ولا تملك من برهان تقنع به بعض الأمم إلا المال تشتري به ضمائر الساسة، وتسخر به أقلام الكتاب، وتفتن به أرباب الصحف، وتسيطر به على الأسواق، وتزخرف به الدعايات المزورة.
من كان يظن أن أمريكا تناصر البهتان في ابشع صوره، وقد دوت صرختها في أرجاء المعمورة، يوم أن نزلت إلى ساح الوغى تملأ البر جيوشاً، والبحر أساطيل، والسماء أسراباً، وحشدت العلم والمال، وأرخصت العزيز، والتفتت إلى العالم تنبئه أنها ستصرع الباطل ودولته، والبغي وصولته، وأنها درء الضعيف المهضوم الحق، وكفيلة الحريات بشتى أنواعها، وأنها تنشد للعالم سعادة ورفاهية وحياة مديدة في رخاء وبلهنية.
أكان ذلك خداع المحتاج، ونفاق المضطر؟ أضحي بألوف الألوف من الشباب الغض، وروعت الأسر الآمنة، والمدن الوادعة، وضربت الأرض العامرة الممرعة، ودكت المصانع المزدهرة اليانعة، وقوضت أركان المدنية وبلبلت أفكار الإنسانية وزلزلت مبادئها من القواعد، في سبيل قضية ملفقة، ودفاعاً عن النهم، ونصرة للباطل في مسوح الحق؟!
يا للعار!!
إن هذا الحكم الجائر على فلسطين العربية الذي افتتح به نواب أمريكا وشيوخها عهد السلم، لأكبر وصمة للمدنية الغربية وأنصع دليل على الضمائر المعتلة، والموازين المختلة، والمواثيق الكاذبة، والأيمان الحانثة.
ومن عجب أنهم يصدرونه حفاظاً على ضمائرهم أن تلوث وعهودهم أن تدنس! فأي باطل