الليل ينشر على الكون وحشة ورهبة، والظلم يغمر النَّفوس رعدة ورهبة، ولكن الحقيقة المؤمنة تتطلق عزمه ورغبة. تنظر إلى أحابيل الشيطان نظرة القدرة القادرة، وتتأمل أباطيل الباطل بثقة الحكمة النافذة، وليكن ما يكون!
في بطون الوهاد وأعالي الجبال عيون تترصد، وفي خفايا المنافذ وحفايا البطاح أرصاد تترقب، وفي جوار كل جدار ووراء كل باب آذان تتسمّع، ولكن الحقيقة المؤمنة في قلب الرسول تتوثب عزمه، وتتوهج قوة. وليكن ما يكون!
الشيطان قد فعل فعله في النفوس الضالة، والأحقاد قد بلغت الغاية في القلوب الغُلْف، ولم تبق بارقة تسطع من خلال رؤى الآمال!
كل شيء في الجزيرة يحس أن شيئاً سيحدث، وأنه سيكون حدثاً عظيماً. . . كل شيء في الجزيرة يدرك أو يكاد أن أمراً ستتفتح عنه مغاليق الغيب، وأنه سيكون أمراً خطيراً. ولكن ما من شيء كان يعلم أن ظنون الكفار المتبلدة بسواد النيات ستنهار كخيال الوهم. ولكن ما من شيء كان يعلم أن أماني الرسول الكريم ستتوج بالنصر كحقيقة الواقع. . . ولقد كان ما كان
وانطلقت الحقيقة المؤمنة من قيود الباطلٍ، وانبثق النور السماوي من خلال سحب الضلال. إن محمداً قد هاجرا، وكتب للرمال أن تقبل الخطا المباركة، وللغار أن يتيه على أعظم القصور عزة وفخامة. إن محمداً قد لاذ به من كيد المشركين
أجل لقد كان ما كان. بل ما كان يجب أن يكون فأتلق في جبين الزمان نور جديد. فكان يوم الهجرة المباركة. وكان للإسلام عيداً، وأنه لعيد مجيد. فلئن اعتزَّت الأمم بأعيادها المختلفة، وخلَّدتها بأيام من عمر الزمن محدودة، والتفتت إليها من حين إلى حين تعيد إلى ذكرياتها القوة، وتجد ما تقادم من حيويتها، وتبعث فيها الروح بالاحتفال بها. . . أجل لئن اعتزت الأمم بأعيادها وحرصت كل الحرص على أن تعيد إليها القوة بالاحتفال. إن الإسلام ليحتفل بعيد الهجرة. . . لا ليعيد للهجرة حيوية ضعفت، ولا ليجدد للهجرة ذكريات تقادمت، ولا ليبعث في الهجرة روحاً خمدت، بل ليستمد القوة من عزمة الرسول صاحبها، ويقيس من