للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[القوة المادية والإيمان بالمثل العليا]

للدكتور محمد يوسف الهندي

لئن سجل تاريخ القرن الماضي انقضاضاً من الأمم الغربية المتفوقة على الشعوب الشرقية الكثيرة العدد، فقد شاهد الجيل الحاضر تنافساً بين الدول الغربية - تنافساً قد أدى صراعين عالميين. وها هو ذا شبح الحرب الثالثة يلوح في الأفق، ويقض مضاجع الإنسانية جمعاء، لا فرق في ذلك بين الذين (لم يريقوا ملء محجم) وبين الذين (دقوا بينهم عطر منشم).

وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى نية الأقوياء المنتصرين إلى إنشاء نظام يكفل للعالم السلام والهدوء على ما قالوا، ولكن هذا النظام لم يكن في الواقع يكفل شيئاً غير الأوضاع القائمة إذ ذاك لصالح الذين كانوا يرون من حقهما احتكار السيادة على العالم، ولذلك انهار ذلك النظام على أيدي من رأى أن ينازعهم ها الحق بالقوة (وقد أعيدت التجربة نفسها) مع إدخال بعض التحسينات بعد الحرب الأخيرة).

وقد صادف هذا الاتجاه - أعنى اتجاه الأقوياء إلى إبعاد إمكان الحرب فيما بينهم - نضج الوعي في الشعوب الأسيوية والأفريقية المستعمرة، فبدأ مفكروها وقادتها يبحثون عن الوسائل التي يمكن بها لتلك الشعوب التخلص من نير الاستعمار واسترداد السيادة على بلادهم، وقد واجه جميعهم مشكلة قهر القوة الغاشمة لتحقيق الحق الأعزل، وإنها لدراسة ممتعة جدا ان يقوم الواحد بين الاجوبة مقارنة بين الأجوبة التي أتى بها زعماء الشرق الحديث في الأقطار المختلفة على هذا السؤال، وخلاصة القول أن عدداً غير قليل من الذين كانت زعامتهم ترتكز على مقدرتهم لاستشارة الجمهور فقط تجنبوا رسم خطة محدودة في هذا الصدد، بل إنما استتروا بخطب بلاغية وتصريحات جدلية هي عبارة عن التمسك بالحق والعدالة والتهديد بالإضرار ببعض مصالح المستعمر هنا وهناك. أما الذين سما فكرهم إلى درجة الفلسفة وتنظيم خطة عامة بعيدة المدى فانقسموا قسمين: بعضهم انتهج نهج الاستهانة بقوة السلاح وتعيير القوى باستعمال القوة والعنف، حينما هب البعض الاخر إلى مقاومة القوة بالقوة أملين بأن كثرة العدد تفوق وفرة العدة. وقد جرب كثير من الشعوب الشرقية الخطة الأخيرة ولا سيما في بداية عهد الاستعمار فرأت عواقبها وخيمة، ولذلك أقبلت على الخطة الأولى فدرستها بإعجاب وإن لم تقبلها كمبدأ للحياة القومية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>