أما المبحث الثالث ففي (المروءة) وقد نشر في الأصل بالفرنسية في (تكملة دائرة المعارف الإسلامية). وفي هذا المبحث يبرز الباحث رجلاً مدققاً عرض للموضوع في إحاطة عجيبة. ولكن الحقيقة رغم كل هذا جانبته. ذلك أن الباحث دخل الموضوع وهو يعتقد أن لفظ المروءة من الألفاظ التي ذهبت بذهاب العصر الجاهلي. والحقيقة أن استعمالات اللفظة في أوضاع متباينة هي التي خلعت على اللفظة معاني متباينة وألقت شيئاً من اللبس على أصلها. على أننا نلاحظ أن اللفظة في الأصل تفيد معنى الفرد الإنساني (الهوامش ١٠، ١١، ١٢ من المبحث) واتسع معناها من الفرد إلى أن حملت معنى الإنسان الاجتماعي. وشاهد هذا استعمال اللفظة في هذا المعنى في بعض مواضع القرآن وفي بعض ما تنوقل عن العصر الجاهلي من الشعر في أعمال معهد الدراسات الإسلامية بموسكو: م ٣١ ج ١٠ ص ٩١٤ - ٩١٦) ومن هنا أصبحت اللفظة تشتمل على معنى الفضائل الاجتماعية، وأصبحت تدل على معنى الإنسانية في عصرنا الراهن. ونزول المروءة منزلة الفضيلة هو الذي جعلها جامعة كل الفضائل والأخلاق الكريمة. ومن هنا دارت عليها الآداب الجاهلية في م١ ص١ - ٤٠)
فإذا أخذنا هذا موضعاً للنظر لم نجد معنى للإشكالات التي يثيرها الباحث والتي إن أورثت بعض الحيرة فهي لا تقنع الإنسان بوجهة نظر، ولا تجعله يرفض الأصل الذي ذهب إليه (جولد زيهر). ومن الإشكالات التي تصادفنا في هذا البحث ما ينقله الباحث عن العقد الفريد من تساؤل معاوية عن معنى المروءة - ج ١ ص ٢٢١ - وهو يستدل بذلك على التباس معنى اللفظة. غير أنه من الملاحظ أن مثل هذه الأسئلة التي ترد في كتب الأدب وفي كتب اللغة منحولة لأغراض واضحة ظاهرة منها، وإذن يكون الاستدلال بهذه