للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٢ - قيمة الحرية]

للصحافي العالمي ويكهام استير

بقلم الأستاذ زين العابدين جمعة المحامي

لقد زعموا أحياناً أن الجماعات التي يتولى أمرها سلطان يملي إرادته على الجميع هي أقوى من الجماعات التي يمنعها اختلاف الرأي فيها عن الاتحاد في العمل. وأصحاب هذه الدعوى يزعمون أيضاً أن التسامح آية الضعف، وأن التعصب سجية من سجايا القوة، وأغلب ظني أنها دعوى خاطئة، فلقد يكون لمثل هذه الدعوى ما يبررها لو أنه كان من الممكن أن تظفر بحقيقة سياسية واحدة لا تقبل النقاش أو بمبدأ قاطع بات لا يحتمل الجدل، ولكن ما دام واقع الأمر على النقيض من ذلك إذ يعتذر اقتراض شئ من عصمة الرأي البشري، فإن محاولة القضاء على وجهات النظر المختلفة وتتويج رأي غير معصوم من الزلل بحيث لا يرتفع إليه النقد ولا يسمو إليه الجدل هو في الواقع من دون الرأي القائل بأنه ما دامت جميع الحقائق السياسية حقائق نسبية فمن صالح الجماعة أن تختار لنفسها من هذه الحقائق ما يصادف من ذوي العقول الحرة القبول العام باعتباره أسلم القواعد التي يجب أن تتحكم في المصالح البشرية.

والضعفاء من الناس هم أولئك الذين يستبيحون في حق أنفسهم أن يقضي على رأي الفرد فلا يسمع له صوت ولا يقام له وزن، أو أولئك الذين يتلمسون الفرار من مضلات المعترك الإنساني بأن يعتصموا ببعض النظريات أو المذاهب الاستبدادية المطلقة التي يجدون في قبولها نجاة لهم مما يضطلع بها المواطنون الأحرار من معاناة نقد الآراء وتقصي أوجه النظر ومن التردد بين الآراء وما يلازمه من قسوة الشك وألم الحيرة، ومقياس النظم السياسية مائل فيما يخلفه على المواطن الحر من طابع. ذلك المواطن الذي هو غرس يدها ونتاج تعاليمها، والنظم التي تحرم تنوع الآراء وتعدد المذاهب وتخنق حرية النقد تنتهي بأن تسير أبناء البلاد على نمط واحد مطرد، فتقضي بذلك على مرونة العقول البشرية وتنزل بها إلى الحضيض من ركود الحياة وجمود العقل، وتقف حجر عثرة في سبيل تقدم الخلق الإنساني. فقضية النقد إذن هي قضية خطيرة الشأن عظيمة الأثر بحيث لا يتسنى للمدنية أن تصادف نجاحاً بدونها؛ ولذلك كان حتماً على الجماعة إذا ما تأبت عار الخضوع

<<  <  ج:
ص:  >  >>