ووصمة الجمود أن تبيح النقد إباحة لا يعطلها عقاب ولا يتهددها ضرر.
ومع ذلك يوجد هنا فارق هام بين حرية النقد وحرية النهج، إذ - كما لاحظ مستر (برناد شو) في إحدى مقدمات كتبه - لا يسمح له أن يغير سلوكه الاجتماعي ما لم ينجح نده في أن يغر القانون إذ استطرد قائلاً:(وإننا لعلى جهل خطير بأصول مدنيتنا حتى أن غالبيتنا لتحسب أن لها حقاً في أن تغير منهجها فور الوقت الذي تغير فيه آراءها).
ومن أعقد المسائل التي تواجهنا في حياتنا الاجتماعية والتي قد يتيسر التغلب عليها وحل معضلاتها في المجتمعات الحرة بطريق الثقافة وحده أن نميز بين النقد النزيه مجرد الثورة على الأوضاع الاجتماعية، وأن نفرق بين حرية الرأي المبدأ وبين رخص النهج الاجتماعي.
وإذا قدر أن يكون فعالاً منتجاً لا مجرد هدام للنظم والعادات التي تمت في ظروف غير تلك الظروف التي تغشى الناس في وقت معين أصبح لزاماً أن تتوفر للشعب حرية البحث وحرية المعرفة وحرية الكلام وحرية الكتابة، وصار واجباً أن تناقش الآراء وتمحص الأصول التي أسست عليها تلك الآراء، وهذا أمر لا يتسنى وجوده، كما اعترف بذلك الكتاب النازيون ما لم يقم على دعامة من حرية الصحافة التي تنطوي فيها حرية المعارف علمية كانت أو أدبية. ولقد سجل هتلر نفسه هذه النظرية في كتابه (كفاحي) فقال: (يجب أن يكون هدف الحكومة أن تنشئ (هيئة اجتماعية من الكائنات الحية يتشابه أفرادها مادياً وعقلياً). وزعم الدكتور (ديتريش) وهو الموظف الحكومي المتولي الإشراف على الصحافة النازية أن (رأي المجموع) لا رأي الفرد هو ما يجب أن يكون مصدر الثقافات جميعاً بما يتبعها من الدراسات العلمية. كما سودت الدكتور (أوتوكيلويتر) وهو أستاذ نازي جامعي (فكرة الجماعة) على فكرة الفرد.
ومهما ظهر للشعوب التي تربت في كتف الحرية من تعصب هذه الدعاوي، فهي من وجهة النظر الاستبدادية إصلاح منطقي سديد؛ إذ في البلاد التي ضيقوا الخناق على الحرية فيها لا يمكن احتمال الفكرة الفلسفية العميقة أو التحليل التاريخي الدقيق ما لم تنهر تلك الآراء التي فرضتها الحكومة المطلقة ونادى بها قائدها. فروسيا الشيوعية لا تقبل البحث الحرفي في مسائل كالتي تتعلق بملكية الأشياء؛ وألمانيا النازية لا تسمح للعقائد الخاصة بالدم