[السجينة]
للأستاذ فخري أبو السعود
لك الله كم ذا تطمحين وأعزف ... وأثنيك عما تبتغين وأصرف
ويا نفس كم أزوّرُّ عما اشتهتِهِ ... وأُعنى بما لا تشتهين وأكلف
وأحجم عما رمتني فيه مُقْدماً ... وأُقدِمُ فيما تكرهين وأسرِف
وأبدي سوى ما تضمرين مكتِّماً ... جوى لك في الجنبين لا يتكشف
تُجِنِّين تهياماً ووجداً ولهفة ... وأُظهر أني الزاهد المتعفف
وتخفين إشفاقاً وأُبدي جلادة ... وأَغلُظ يا نفسي عليك وأَعنُف
وأكظم غيظاً قد أطاشك فرطه ... وأُجمل للباغي المسيء وألطف
كأنك في الجنبين منِّي سجينةٌ ... تعذب في ظلمائها وتحَيَّف
وتُكبح عما تشتهيه وتبتغي ... وتُقمع أشواقٌ لها وتَشوُّف
ظلمتك لم أظلِم سواك من الورى ... وما من خلالي قسوة وتعجرُف
ظلمتك، لا يا نفسُ بل تظلمينني ... وأصفح عما تُسلِفين وأصْدِف
أما كلّ يوم مذهبٌ لك شائق؟ ... أما كل حين مأربٌ بك مُلْحف
أما كل آن غايةٌ إثْرَ غاية ... أكلّفُ في إدراكها ما أكلّف
وسيان محمودُ العواقب نافع ... لديك ومذمومُ المغبة مُتْلِف
أما تشتهين اليوم ما يُجْتَوى غداً ... ويُقْلى لديك اليوم ما كان يشغَف؟
وهل أنا مُسطيعٌ رضاك لو أنني ... على العالمين الحاكم المتصرف؟
ولو أنني عمرْي أُجاريك لم أعِشْ ... عن النهج إلا حائداً أتعسف
كلانا أيا نفسي بلاءٌ لخدنه ... نعم وكلانا ناقم ومعنِّف
نعيش كأنّا اثنان لم يتعارفا ... وما لهما في الدهر شمل يُؤَلف
ظلمتكِ خدناً صاحباً وظلمتِني ... فَعَلّ فراقاً آتياً هو أنصف
فخري أبو السعود