كانت دعوت غداء شائقة تلك التي أقامها الأستاذ الكبير توحيد بك السلحدار، وهو قائم بأعمال المفوضية الملكية المصرية بأنقرة، لشرف حمد الله صبحي بك، وزير تركيا المفوض في رومانيا بمناسبة وجوده بالعاصمة التركية، فجلس في صدر المائدة وعلى يمينه الوزير المحتفى به، وأمامه السيدة زوجة روشن اشرف بك، وعلى يمينها صاحب السمو الملكي الأمير زيد بن الحسين وزير العراق المفوض بتركيا، ثم تلا ذلك ترتيب مقاعد غيرهم من المدعوين. وامتازت هذه الدعوة على غيرها من الدعوات، بما دار فيها من الأحاديث الشائقة التي اهتم كل من الحاضرين بتتبعها والإصغاء أليها، وحرصت من جانبي على تدوين بعضها.
وكان ذلك في يوم الاثنين الموافق أول مايو سنة ١٩٣٣، ولم يكن اختيار هذا اليوم بالذات موضع تفكير وإنما جاء وليد المصادفة. وما أدراك ما أول مايو، هو يوم عيد الطوائف العمال من مختلف الأجناس والألوان، علمنا بمقدمه من العلم الأحمر الذي كان يرفرف على بناء سفارة السوفيت، إذ كانت حكومتهم أول دوله اعترفت رسميا بهذا العيد وكانت بنايتهم أمامنا.
أما وكالات الأنباء والإذاعة فأخذت تتحدث عن الاجتماعات والخطب والمظاهرات التي سينفرد بها أول مايو. واذكر أنني اعتكفت في صباح ذلك اليوم فراجعت بعض مؤلفات (كارل ماركس) وصاحبة (انجل) وقلبت بين يدي صفحات مما كتبه راس الثورة الروسية (لينين) وكنت مشغوفا به لدرجة أنني بحثت عن المنزل الذي كان يقيم به في مدينة زوريخ من مدن سويسرا الألمانية، وتعرفت على المقعد الذي كان يجلس عليه في قاعة المطالعة بمكتبة جامعتها، ولكثرة ما قرأت عنه وعن حياته لم تعد شخصيته غريبة عني، وكان من