للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٢ - الشيخ علي يوسف]

للأستاذ عبد العزيز البشري

تتمة

ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد، على انه كان إلى الطول. يظهر في مرأى العين نحيلاً هزيلاً، ولكنه كان مكتنز اللحم. مستطيل الوجه، واسع مساحة الجبهة، ازرق العينين، طويل الهدبين كثيراً ما ترى له في إطراقه، نظرة غريبة ساجية. ضيق الفم، على أن في شفتيه الحمراوين شيئاً من الغلظ. تعلوه صفرة ما احسبها من اثر مرض. وشعر لحيته الدقيقة المتسقة يميل إلى الشقرة. رفيق الصوت لينه إذا تحدث، فإذا رفع صوته ضمر بعض الضمور، وتسلخ بعض التسلخ، فلم يكن من تلك الأصوات التي تصلح للخطابة

وكان بعد رجلاً شديد العقل قوي النفس حديد العزم، وافر الشجاعة. لا تتعاظمه قوة خصم بالغة ما بلغت قوة ذلك الخصم وبأسه. وإذا تحداه متحد ركب رأسه في نضاله لا يبالي أين يقع المصير، وصح فيه قول الشاعر:

إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه ... ونكب عن ذكر العواقب جانباً

واذكر أنني مضيت إليه مرة في صحب لي من خلصانه، وسألناه أن يترفق بالمؤيد فلقد تظاهر عليه خصومه وألَّبوا الجمهرة عليه، واذكوا عليه حماسة الشباب في رأى له قد لا يحسن فهمه العامة، ولا يستريح إليه طموح الشباب. فأصغى إلينا واحسن الإصغاء، وترك كل واحد منا يقول ما عنده، حتى إذا انتهينا ونحن على الظن بأنه نازل عند رأينا، عادل إلى ما سألنا، فإذا هو يرتج في مجلسه ارتجاجه عنيفة ويقول في قوة وفي عزم حديد: (والله لا يعنيني أن يكون الناس جميعاً في صف واحد، وأنا والحق الذي اعتقده بازائهم في صف واحد)!. وتركناه ونحن نرى منحدر المؤيد بطغيان الخصومة يوماً بعد يوم!

ولقد كان الشيخ علي رحمة الله عليه، رجلاً متمكناً من نفسه حقاً، ولقد كان مما يشاع عنه، ولعل خصومه هم مبعث هذه الإشاعة، انه كان يقول: أنا لا أبالي أن اخسر هذا البلد، ففي إمكاني أن أعود فأكسبه بثلاث مقالات. .!

ولقد عاشرت الرجل ما عاشرته، واستمكن ما بيننا من الود والآلف إلى الحد. الذي يبعثني على الاعتقاد بأنه ما كان يخفي عني شيئاً حتى من نجوى نفسه في الأسباب العامة. وشهد

<<  <  ج:
ص:  >  >>