للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ما يمكن تبديله]

للأستاذ عباس محمد العقاد

في عدد مضى من (الرسالة) تعقيب على كتاب (عبقرية محمد) يستدعي التعقيب عليه، لأن الكلام فيه باب من الكلام في الأدب والتأريخ

ونريد به ملاحظة الأديب (محمد النجار) على ما كتبناه عن رواية النبي عليه السلام للشعر إذ يقول: (. . . في ص ١٤٤ يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بشطرات من أبيات يبدل وزنها كلما أمكن تبديله. فكان يقول مثلاً: (ويأتيك بالأخبار من لم تزود) لأنها لا تقبل تبديل، ولكنه إذا نطق بقول سحيم بني الحسحاس (كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا) قدم كلمة الإسلام فقال: (كفى الإسلام والشيب للمرء ناهيا)

ثم يعقب الأديب فيقول (وتقسيم ما يتمثل به الرسول عليه الصلاة والسلام إلى ما يمكن تبديله لم يورد المؤلف ما يؤيده ويقتضيه. والمثال الذي ذكره لما لا يمكن تبديله غير صحيح، فإن تبديله ممكن، وقد روي أن الرسول عليه الصلاة والسلام تمثل به هكذا (ويأتيك من لم تزود بالأخبار). راجع السيرة الحلبية في باب الهجرة إلى المدينة)

والذي نعقب به على تعقيب الأديب هو الكلام فيما يمكن تبديله من الشعر والنثر وكل ما له معنى من القول

فإذا كان المقصود بالتبديل هو نقل كلمة في موضع كلمة بغير نظر إلى المعنى والسياق فالتبديل ممكن في كل كلام بلا استثناء؛ إذ ليس للكلام قوة مادية تمنعك أن تقدم فيه وتؤخر كما تشاء، وفي وسع كل قارئ أن يعمد إلى كتاب من الكتب فيقرأه عكساً وطرداً ومن أسفله إلى أعلاه ويضع الأول في موضع الوسط والوسط في موضع الأول، ثم يعود فيصنع به مثل ذلك إلى غير انتهاء، فلا يستعصي عليه عصى ولا يحول دونه حائل

وليس هذا بالبداهة هو التبديل المقصود حين نقول بإمكان التبديل أو استعصائه، وإنما المقصود هو التبديل مع بقاء المعنى وبقاء المزية الكلامية أو المزية البلاغية التي من أجلها كان الشعر أو النثر مستحقاً لروايته والاستشهاد به

وكثير من المعنى ومن المزية البلاغية يتوقف على تقديم كلمة إلى موضع أخرى حتى في العبارة التي لا تتجاوز كلمتين أو ثلاث كلمات

<<  <  ج:
ص:  >  >>