لا ريب أن من يلقي على الديانة الفارسية نظرة فاحصة يأخذ بلبه ما يجده بارزاً بين جوانبها من المبتدعات (الزرادشتية) التي يجزم بعض مؤرخي الحركة العقلية بأنها لم يسبق لها نظير في تاريخ الديانات القديمة، إذ لا يعرف التاريخ قبل (زرادشت) مجدداً قلب الدين القديم رأساً على عقب وأحدث فيه أحداثاً جديدة إلا (أخناتون) الفرعون المصري الذي نادى بالتوحيد في وسط معمعان الوثنية والتعدد الطاحنين؛ ولكن (أخناتون) في نظر هؤلاء المؤرخين لم يبلغ مرتبة (زرادشت) لأن دعوته كانت تجديداً سياسياً أكثر منها دينياً، ولهذا قد فشل تجديده على أثر صعود خلفه على العرش، وإذاً فزرادشت هو الفذ الأسبق في هذا التجديد.
ولكن ليس معنى هذا أن (زرادشت) قد قطع كل العلائق بالديانة القديمة وأنشأ ديانته إنشاء كاملاً، كلا، وإنما هو قد أقر منها الشيء الكثير، وهذا هو الذي يحدونا إلى أن نلقي على الديانة القديمة نظرة عجلى قبل أن نعرض للديانة (الزرادشتية).
الديانة قبل زرادشت
ليس عندنا من المصادر عن الديانة الفارسية السابقة على (زرادشت) القدر الكافي لإعطائنا صورة واضحة تمكننا من تحليلها على الطريقة العلمية القيمة، وإنما كل ما نعرفه في هذا الصدد هو أن نقوشاً أثرية يرجع تاريخها إلى القرن الرابع عشر قبل المسيح وجدت في الشمال الغربي من بلاد فارس، ووجدت فيها أسماء آلهة هندية ثلاثة وهي:(ميتهرا) و (أندرا) و (فارونا) ولما كان من غير الممكن أن تصل هذه الآلهة الهندية إلى ذلك المكان