للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

دون أن تخترق البلاد الفارسية، فقد استنتج بعض الباحثين ونخص منهم بالذكر الأستاذ (دينيس سوريه) أن للديانة الهندية أثراً عظيماً على الفارسية الأولى. وقد ذهب غيرهم إلى ما هو أبعد من هذا، فزعم أن (أهورامازدا) إله (زرادشت) هو محرف عن (أور روناشول) الإله الهندي العتيق، ولكن هذه مغالاة شديدة من أصحاب هذا الرأي، إذ النظريات العلمية لا يصح أن تبنى على مثل هذه التكهنات المستنتجة من التحككات اللفظية.

ومهما يكن من الأمر، فإن تأثر الفارسية بالهندية أمر مقطوع به، إذ أننا نجد مثلاً في الكتاب الفارسي المقدس (زند أفيستا) أسطورة تحدثنا عن (ييما) أول إنسان أنه أطعم أبنائه لحماً محرماً (ولعله لحم ثور) ليصيرهم خالدين، وأنه قد فعل هذا نزولاً عند نصيحة أحد الآلهة، وقد ظلت هذه العقيدة فيما يظهر سائدة حتى جاء (زرادشت) فأعلن احتجاجه ضد هذه الخرافة وصرح بأن الخلود لا يمكن أن يتوقف على أكل لحم الثور وإنما هو شيء معنوي يمنحه (أهورامازدا) لمن يستحقه بالفضيلة.

ومن هذه الأساطير أيضاً ما يحدثنا به (هيرودوت) من أن الملكة (أميستريس) حين صارت عجوزاً أمرت بدفن أربعة عشر طفلاً من أبناء النبلاء أحياء، ليكون ذلك قرباناً عنها، ليقربها من الآلهة.

تمتاز هذه الديانة القديمة بأنها كانت تأمر بعبادة العناصر الأربعة: النار ممثلة في كوكبيها العظيمين: الشمس والقمر، والهواء والماء، والتراب، وبتقديس كل مظاهر الطبيعة، وبأنها تأمر بتضحية بعض الحيوانات كالثيران والكباش، ولكن يجب أن يكون ذلك على يد جمعية مؤلفة من رجال الدين تنعقد خصيصاً للإشراف على الضحايا. وكانت بعض الحيوانات تمتاز بقداستها على البعض الآخر، فكلب الماء مثلاً كان مقدساً إلى حد أن من يقتله يجب أن يعاقب بضربه عشرين ألف عصا، وكان المسكين يموت غالباً قبل أن يستوفي هذا العدد، غير أنه إذا نجا بمعجزة، وجب عليه أن يشكر الآلهة على هذه النجاة، وذلك بتقديمه عشرة آلاف قربان من السوائل، وأن يقتل عشرة آلاف ضفدعة، ولم تكن هذه الحماية مقصورة على كلب البحر، بل كانت القنافذ والكلاب البرية كذلك، كما كانت الثعابين والنمل والضفادع على العكس من ذلك تماماً.

وعندهم أن الميت يجب أن يدلك بالشمع ثم تعرضه جمعية رجال الدين للطيور والكلاب،

<<  <  ج:
ص:  >  >>