إياك أن تظنه صاحب (ديوان شعر)، فمثل هذا أهون من أن يحفل به إلا من كانوا مثله من ذوي الأحلام والأوهام في هذه الدنيا التي باتت لا تحفل بالأحلام ولا بذوي الأحلام. . .
ولعلك فطنت بعد هذا إلى من أعنيه بهذا اللقب؛ ثم لعلك فهمت لِمَ أسميه (صاحب الديوان)، فما كان لفظ (الموظف) و (المستخدم) وما يجرى مجراهما مما يفي بالغرض في معرض الحديث عن ذلك الذي توافي له من أسباب الجاه والسلطان ما يسمو به على الناس، رضوا بذلك أو لم يرضوا؛ وما أرى نعته بمثل تلك الألقاب المتواضعة إلا ضرباً من الخطأ أسبق مجمع اللغة في تلافيه، فأضع له هذا الاسم الجديد، وبودي لو وقعت له على اسم آخر أكثر فخامة وأضخم جرساً وأبلغ رهبة
ولست أدري وقد وقع منظاري على أنماط وأشكال من أصحاب الديوان إلى من أدير الحديث منهم أولاً فأجعله في طليعة أصحابه فإني لست بمعفيهم جميعاً من حديثي ولو لحقني بعدها من سطوتهم ما أعض إصبع الندم عليه
أأبدأ بالحديث عن ذلك الشاب الماجن المتظرف الذي لا تساوي الدنيا في نظره شيئاً؟ أم أبدأ بصاحبه المتزمت المتبرم الذي يحمل الدنيا كلها على رأسه؟ أم أدعهما إلى ذلك الكهل الذي أخلق برد الشباب على مقعده وهو يلتفت إلى الماضي في حسرة ويحتمل الحاضر في ملل وينظر إلى المستقبل في يأس، ولا يني عن احتقار من هم دونه والحقد على من خلفوه وراءهم وكانوا وإياه في صف واحد عند بدء الشوط؟ أم أبدأ من عل غير متهيب، فأتحدث عن ذلك الذي يخضع له هؤلاء جميعاً ويتملقه أكثرهم وليس فيهم من لا يكره أن يودع كرسيه في أقرب فرصة؟
الحق أني حائر، ولا مخرج لي من هذه الحيرة إلا بأن أعرض عليك في هذه الكلمة صورة لفريق من أصحاب الديوان في قاعة من قاعاتهم، على أن أتناول هذا الإجمال بعد بالتفصيل
دجلت تلك القاعة في شأن من الشؤون فوجدت نحو خمسة عشر من هؤلاء ينصتون إلى من يتلو عليهم حديثاً وهم على مكاتبهم يرنون إليه حتى إذا فرغ من قصته انطلقوا