كان أكثر جلساء الرافعي في هذه الفترة هم الأصدقاء (س. ا. ع)، فكان لهم سره ونجواه، وإلى موعدهم مغداه ومراحه؛ وكان حديثهم إليه وحديثه إليهم هو عنده مادة الفكر وموضوع الكتابة؛ وكان لكل واحد من الثلاثة الأصدقاء في هذه الفترة مشكلة تملأ فراغ رأسه، فهي له في الليل مشغلة وفي النهار مشغلة. . .
أما (س) فكان على نية الزواج، وقد ترامتْ أمانيه إلى واحدة من أهله، ولكن (التقاليد) وقفت بينها وبينه موقفاً ما، أورثه ضجراً وملالة وسخطاً على الناس وتبرُّماً بالحياة وخروجاً على ما تواضع الناس عليه من التقاليد في شئون الزواج. . .
وأما (ا) فكان في عهد بين عهدين من حياته: قد ودَّع ماضيه بما فيه من عبث ومَجَانة، وطلَّق شهواته ونزواته إلى عهد يستشرف إلى ما فيه من المتاع الحلال في ظلّ الزوجة المحبوبة المحبّة؛ فسمّى زوجته وعقدَ عقْدَه، ثم وقف ينتظر اليوم الذي يبني فيه بأهله قلقاً عجلان، واليوم الموعود لا يحين لأن التقاليد تبعد به كلما دنا موعده. . .
وأما (ع) فشاب قد انفرد في الحياة من أهله: فَقَد أمه وهو غلام، فما كاد يستوي شبابه حتى مضى يلتمس ما فقد منذ طفولته من حنان الأنثى، فتزوج، ثم فقد زوجه؛ ثم تزوج، فما بقيتْ الثانية إلا بمقدار ما بقيت الأولى، ولكنها خلَّفتْ بضعة منها بين يديه مصوَّرة في طفلة سلبتها القدرةُ أمَّها يوم منحتها الحياة!
. . . هو أب ولا زوج له، وهو عزَبٌ وكانت له زوجتان، وهو فتى يؤمن بالله ويلحد في القدر، وهو شخصيتان منفصلتان تعرف إحداهما في المسجد وتعرف الثانية في الشارع، وله عين عفة وعين فاجرة؛ وله في الحياة تجربة ورأي، وله إلى الهوى والملذات مثلُ اندفاع الشاب الذي لم يذق ولم يجرب بعد!