من الأساليب التي تتبعها بعض الحكومات الكبرى التي لها مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية واسعة مع شعوب الشرق للتعرف على حقائق الخلق القومي لتلك الشعوب هي جمع كل ما ينشر عن الحكومات الأوربية والأمريكية في ألسنة الرأي العام في دول الشرق من افتتاحيات صحفية ودراسات علمية وتعليقات سياسية وفصول من كتب التاريخ والآداب التي تدرس في مدارس دولة من دول الشرق، وغير ذلك من مواد الغذاء الفكري التي تتوفر لشعب من الشعوب.
ويعرف كاتب هذه السطور أن هناك ثلاث جامعات أمريكية كبرى تقوم الآن بتحليل هذه المواد المجموعة من مختلف بلدان الشرق العربي؛ وهي التي تغذي القارئ العربي بالغذاء الفكري عن أبناء السياسة الأمريكية المعاصرة، وعن التاريخ والأدب الأمريكي، وعن الإنتاج الأدبي الفني الذي يصدر إلى الشرق العربي من هوليود في شكل أفلام أو قصص أو صور فوتوغرافية تمتلئ بها صحف الناطقين بالضاد.
والجامعات الأمريكية المذكورة تقوم بهذا العمل بتكليف من المراجع الأمريكية المسؤولة وعلى نفقتها. ويقوم خبراء علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي وعلم الأنتروبولوجيا الثقافية بتحليل هذه المواد ليتيقنوا من الفكرة التي يحملها الشعب العربي عن أمريكا؛ لا في ناحية السياسة والاقتصاد فحسب، بل في شتى أوجه النشاط الفكري التي يلعب فيه الخيال والاستنتاج دوراً كبيراً.
وهذه الدراسة توفر لصناع السياسة وأرباب الأعمال وقواد الجيش أسلحة علمية على غاية من الدقة والمهارة يستطيعون بواسطتها معالجة مشاكل الشرق والغرب.
والناس في أغلب الحالات يعتقدون أن نشاط دولة ما في توثيق علاقاتها مع الدول الأخرى يقتصر فيه على الدعاية (البروبوغاندة) أو المساعدة المالية أو الضغط السياسي أو ما شاكل ذلك من أوجه السياسة الدولية التي تحمل أنباءها كل يوم الصحف السيارة ورسائل المواصلات الفكرية السريعة وقل ما يفطن القارئ إلى أن هناك أساليب أخرى لتوثيق العلاقات - خيراً أم شراً - بين دولة وأخرى سواء أنكافأت مصالحها أم لم تتكافأ.