للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الكتاب ولوازمهم]

للأستاذ محمد فرحات عمر

دعاني إلى كتابة هذا المقال أمران طالما أثارا من دهشتي وعجبي:

أولهما ما راعني من التزام أكثر كتابنا بعض عبارات لا يسبغون عنها حولا، ولا يريدون بها بديلا.

وثانيهما مدى دلالة هذه اللوازم على شخصيات ملتزميها، بحيث يمكن أن تكون عنوانا لها ومرشدا عليها، ونبراسا مضيئا يكشف لنا عن أغوارها، وعما يختلج في لواعجها من مشاعر وميول.

وأول ما يصادفنا من هؤلاء الكتاب هو الدكتور طه حسين؛ فمن لوازمه قوله دائما (مهما يكن من شيء) و (ما استطعت إلى ذلك سبيلا)، هذا إلى جانب استعماله للمفعول المطلق استعمالا ظاهرا يثير الانتباه ويدعو إلى الالتفاف! وهذه اللوازم إن كانت جديرة بالاهتمام فهي من حيث أنها عنوان أمين لكيانه النفسي ومسبار صادق لسبر أغوار هذه الميول وتعقب أسباب هذه الأهواء التي ضربت بجذورها في أعماق هذه النفس الكبيرة. فبديا نعلم أن الدكتور طه قد فقد بصره إبان طفولته، فلا غرو أن تولد عن هذا فيما أسماه آدلر بمركب النقص الذي كان حافزا له على اصطناع أسلوب تعويض من شأنه أن يحقق تكامله الشخصي كفرد سوى.

ويجمل بنا كي ينجلي الأمر أمام القارئ أن نأخذ في بسط معنى (المركب) وفي التعريف بمعنى (النقص) بغاية الإيجاز ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. أما المركب فنعني به مجموعة العواطف التي تندس في العقل الكامل فتوحي إلينا باتجاهات خاصة وتملي علينا سلوكا معينا قد يستعصي علينا تعليله ونحار في فهم أسبابه فقال فرويد بمركب أوديب وقال آدلر بمركب النقص معتمدا في هذا على نظريته الغائية في حب السيطرة. . والذي يعنينا هو مركب النقص الذي يتولد عادة في أيام الطفولة حين يشعر الطفل بضعفه إزاء المحيط الخارجي، وقد يطول به الأمد إلى أيام الشباب ولكنه لا يجنح إلى الظهور ولا يحمي وطيسه عند الفرد إلا في حالة نقص طبيعي ظاهر والمصاب به يشعر بقصوره، ومن ثم يدأب على أن يخلق من نقصه كمالا وذلك في نطاق الظروف المواتية والأحوال الموائمة

<<  <  ج:
ص:  >  >>