في الآونة الأخيرة كثر الحديث عن الحرب المقبلة، وعن أسبابها المحتملة، وعن مواطن نشوبها والدول التي قد تشترك فيها. وكلما أظلم أفق السياسة الأوربية، وتفاقمت مشكلة من المشاكل، تكرر حديث الحرب، وازداد المتشائمون تمسكاً باعتقادهم في قرب نشوبها. ومنذ أشهر نشهد في جو السياسة الأوربية ما ينذر فعلاً باضطراب العلاقات الدولية وتوترها؛ فمن محالفات سياسية وعسكرية تعقد بين مختلف الدول، ومن اعتمادات مالية ضخمة تقررها معظم الدول لتعزيز قواتها واستكمال أهباتها الحربية، ومن تصريحات سياسية هنا وهناك تحمل على التشاؤم والجزع. ولقد كشفت الأزمة النمسوية التي وقعت منذ أسابيع قلائل من جراء الثورة التي أضرمها دعاة التحريض الألماني لقلب النظام في النمسا والتمهيد لإعلان انظمامها إلى ألمانيا عن مبلغ توتر أعصاب الدول العظمى، وعما يجثم في ثنية المشكلة النمسوية من خطر على السلام الأوربي؛ ولم تحجم إيطاليا في هذا الظرف الدقيق عن حشد جنودها على حدود النمسا الجنوبية استعداداً للطوارئ. فإذا ذكرنا أن الحرب الكبرى أضرمت شرارتها الأولى في تلك المهاد، أي في إمبراطورية النمسا والمجر القديمة، استطعنا أن نقدر طرفاً من العوامل التي تملى بحديث الحرب ونبؤاتها.
على أننا مع تقديرنا لخطر هذه الظواهر المزعجة في سير الحوادث الأوربية، نخشى أن يكون خطر الحرب جاثماً في جهة أخرى غير أوربا القديمة؛ ففي الشرق الأقصى تقع حوادث ذات مغزى خطير؛ وهذا التلاحم المستمر بين اليابان وروسيا يبطن من الخطر على السلام أكثر مما يدلي به ظاهر الحوادث. ولنلاحظ أولاً أن هناك خصومة تاريخية خالدة بين اليابان وروسيا منذ الحرب الروسية اليابانية في سنة١٩٠٤؛ وأن بينهما منافسة قديمة مستمرة مدارها التنازع على النفوذ في الصين واقتسام المصالح الصينية؛ وهما يلتقيان في الصين في مناطق ومراكز في منتهى الأهمية. وفي الأنباء الأخيرة أن حادثاً جديداً قد وقع في منشوريا، وزاد في تحرج العلائق بين البلدين. ذلك أن سلطات منشوكيو (منشوريا) قد قبضت على عدد كبير من الموظفين الروس في الخط الحديدي الشرقي،