للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إلى السلاح. . يا عرب]

للأستاذ علي الطنطاوي

يا أيها القراء! إني ما جئت أصب في أعصابكم قوة ليست فيها، ولكن جئت أثير القوة التي نامت في أعصابكم وما جئت لأجعلكم خيرا مما أنتم عليه، ولكن جئت لأفهمكم أنكم خير مما أنتم عليه. جئت أضرم جمرة الحماسة التي غطاها في نفوسكم رماد الكسل. فأعينوني على نفوسكم من رماد الكسل.

فأعينوني على نفوسكم استعادة الثقة بها، وبسلائق العروبة التي ورثتها، وبعزة الإسلام التي كانت لها. واعلموا أنكم إن فقدتم عزتكم، وأضعتم سلائقكم، لم تكونوا جديرين بمحمد، ولم يكن لكم الحق في الاحتفال بمولد محمد!

يا سادة! إن الأمم كالأفراد: ألا يكون الرجل منكم رائحا من عمله، خائر الجسم، وإني العزم، كل أمانيه أن يصل إلى الدار فيلقى بنفسه على أول مقعد يلقاه، قبل أن يستنفذ الجهد قواه، فيجد في الدار بشارة بأنه رفع درجة، أو نال جائزة، أو هبط عليه إرث ضخم، من قريب منسي، فيحس بأنه انتفض كما ينتفض العصفور بلله القطر، وانتعش كما ينتعش النبات أرواه الماء، ونشط كما ينشط الجمل أطلق من عقال؟

ألا يكون أحدكم مرخي الأعصاب، خامل الجسد، قد خدره النعاس حتى ما يقدر أن يفتح عينيه، فيعدو عليه عاد، أو يطرقه لص، أو يحقره إنسان، فيشعل الغضب في دمه نارا، ويشد من أعصابه أوتارا، فيثب ويريد أن يقتحم الجدار، أو يخوض النار؟

ألا يكون أحدكم تعبان كسلان، يجر قدميه من الونى جرا، يظن أنه سيسقط من كلاله على الأرض، فيلحقه عدو فاجر، أو يطارده وحش كاسر، فإذا هو ينطلق انطلاق القذيفة من فم المدفع، ويعدو عدو الغزال المروع؟

هذه أيها الناس القوة المدخرة في أعصاب الإنسان، يظهرها الأمل، ويبيدها الغضب، ويبعثها الخوف. وفي الأمم قوة كهذه القوة. وما الأمة إلا الأفراد. الأمة أنا وأنت وهو وهم وهن، أفلا تحس أن غضبت أو فرحت أو جزعت أن نبضك يسرع، وقلبك يخفق، ووجهك يصفر أو يحمر، وجسدك كله يتبدل ويتغير؟ فكذلك الأمم، تكون نائمة آمنة، قد غلب عليها الخمول، وشملها الارتخاء؛ فما هي إلا أن يبعث الله لها القائد العبقري، يصرخ فيها ينذرها

<<  <  ج:
ص:  >  >>