سلفادور مدرياجا أديب إسباني كان أستاذاً للدراسات الإسبانية بجامعة أكسفورد. ثم ظهر في عالم السياسة الأوربية على أعقاب الثورة التي قام بها في بلاد الأسبان جمهرة الأدباء والمثقفين، فمثل حكومته في عصبة الأمم والولايات المتحدة وفرنسا، وراجت تواليفه التي تتمثل فيها عبقرية بلاده، فترجمت إلى معظم اللغات الغربية
وقد لازمته روح الأدب حتى في أعماله السياسية فرويت له طرائف شتى أثناء المناقشات المحتدمة في مشاكل الدول وأزمات الحكومات، ومنها انه حضر (مؤتمر السلاح) وسمع ما يقترحه كل فريق من الدول القوية من تقييد هذا السلاح أو السماح بذاك على حسب اختلاف العدة عند كل فريق، فأصغي إلى الأعضاء الجادين في مناقشاتهم ومساجلاتهم ثم قال:
(أيذكر مسيو لتفينوف خرافة الحيوانات التي اجتمعت للبحث في التقليم والتجريد؟ لقد نظر الأسد في ذلك المؤتمر إلى النسر ثم قال: علينا أن نلغي المخالب؛ ونظر النمر إلى الثور ثم قال: علينا أن نلغي القرون؛ ونظر الثور إلى النمر ثم قال: علينا أن نلغي الأظافر؛ ونظر الدب إليهم أجمعين ثم قال: بل نلغي كل شيء إلا حق الصراع والعناق!)
وعجب الناس من هذه المؤتمرات التي تجتمع ثم تفترق، وتفترق ثم تجتمع، وهي لا تأتي بنتيجة وتعلم أنها غير آتية بنتيجة. فذهب إليه مراسل بعض الصحف وسأله: ما جدوى كل هذا الاجتماع والافتراق وكل هذا الافتراق والاجتماع؟ وما يعني الساسة المحنكون بهذا العناء في غير طائل؟ فكان جواب مدرياجا للمراسل:
(أسمعت قصة الصبي اليهودي؟ إن كنت لم تسمعها فاعلم أن صبياً يهودياً تعود أن يصرف ريالاً أرباعاً ثم يصرف الأرباع سنتيمات ثم يعود فيرد السنتيمات في دكان آخر إلى أرباع فريال صحيح؛ وهكذا كل يوم بغير تحول ولا انقطاع. فتعقبه بعضهم يوماً بعد يوم ولحق به في طريقه بين الدكاكين فسأله كما تسألني الآن: فيم هذا العناء على غير جدوى؟ قال الصبي: لابد من يوم يقع فيه بعض الناس في خطأ حساب، ولن أكون أنا بعض الناس هؤلاء!)