للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عصر الخفاء في مصر الإسلامية]

الحاكم بأمر الله

- ٢ -

للأستاذ محمد عبد الله عنان

- ٣ -

ولي الحاكم بأمر الله الخلافة حدثا دون الثانية عشرة؛ وكان مولده بالقصر الفاطمي بالقاهرة المعزية في الثالث والعشرين من ربيع الأول سنة ٣٧٥ (١٣ أغسطس سنة ٩٨٥)، وأمه نصرانية من الملكية، وكان لها أيام العزيز نفوذ كبير في الدولة، حتى أنه عين أخويها بطريقين للملكية، أحدهما بالإسكندرية، والآخر لبيت المقدس، مخالفا بذلك الرسوم الكنسية المقررة؛ وكان من أثر نفوذها أن سياسة التسامح الديني التي اتبعت في عهد المعز، قويت أيام العزيز، وتمتع النصارى واليهود بكثير من الحريات والنفوذ. وقد كان لهذا المنبت أثره بلا ريب في نفس الحاكم، وتكوين عقيلته الدينية كما سنرى. ولم يترك العزيز من البنين سوى الحاكم، ولكنه ترك - من زوجة النصرانية أيضا - ابنة تدعى سيدة الملك، كانت أكبر من أخيها ببضعة أعوام؛ وكانت حازمة عاقلة ذات نفوذ. ومنح العزيز ولاية عهده لابنه الحاكم مذ كان طفلا في الثامنة (شعبان سنة ٣٨٣) وبويع بالخلافة يوم وفاة أبيه. وقد انتهى إلينا وصف لبعض المناظر التي أحاطت بتولية الخليفة الصبي، وهي مناظر شائقة مؤسية معا، نقلها إلينا المسبحي، وهو مؤرخ معاصر ووزير الحاكم وصديقه، نقلا عن الحاكم ذاته؛ قال: (قال لي الحاكم، وقد جرى ذكر ولده العزيز: يا مختار، استدعاني والدي قبل موته وهو عاري الجسم، وعليه الخرق والضماد، فاستدناني إليه وقبلني وضمني إليه، وقال: وا غمي عليك يا حبيب قلبي؛ ودمعت عيناه. ثم قال: امض يا سيدي والعب، فأنا في عافية، قال: فمضيت، والتهيت بما يلتهي به الصبيان من اللعب إلى أن نقل الله سبحانه وتعالى العزيز إليه. قال: فبادر إلي برجوان، وأنا في أعلى جميزة كانت في الدار، فقال: انزل ويحك، الله الله فينا وفيك؛ قال فنزلت، فوضع العمامة بالجوهر على رأسي وقبل لي الأرض، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، قال: وأخرجني حينئذ

<<  <  ج:
ص:  >  >>