كان النبي صلى الله عليه وسلم يود لو انهم اسلموا ليعتز بهم الإسلام، ويدعو الله أن يهبه من لدنه حكمة لعله يصرفهم عن الضلالة أو يجعلهم من المهتدين؛ وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على إسلامهم ملحاً فيه، لان أشخاصهم عند قريش مهيبة، وأسماءهم عند العرب رفيعة؛ فلما دخل عليهم وقد اجتمعوا عنده، حياهم فردوا عليه تحيته، مخلصين أو غير مخلصين، ثم اخذ مكانه بينهم، فكان صمت، وكان جلال رهيب، ولم يلبث أن سرى بين الجمع صوت مهيب، فيه قوة لأنه صوت الحق، وفيه إيمان لأنه وحي القلب؛ وكان الصوت متجهاً نحو عتبة بن ربيعة وأخيه، يقول: أما آن يا عتبة أن تدخل أنت وأخوك شيبة في دين الله؟ ما دعوتكما لأمري ولا لشيء هو من عندي، ونما دعوتكما لأمر الله رب العالمين؛ وهذا كلامه بين يدي فاستمعاه وأصغيا إليه لعله تعالى يهديكما فتكونا من عبادة المسلمين. ولكن عتبة وأخاه لم يلبثا أن جادلاه فجادلها، واخذ النبي منهما وأخذا منه، حتى إذا غلبهما الرسول بمنطقه وقوة حجته، لم يلبثا أن عقد الصمت لسانهما، فالتفت النبي إلى العباس بن عبد المطلب وكان مصغياً يستمتع إلى قوله لابني ربيعة، وقال له انك يا ابن عبد المطلب لو اهتديت بهدى الإسلام وانه من صناديد قريش لاهتدى معك جميع كثير، فلا تكونن بصدك عن دين الله حائلاً بين الناس والجنة، ولا تضربن لقريش مثلاً من الغي والضلال، فتضل وتضل، وأنت حري أن يكون لهم منك هاد معين. فلم يرفع العباس رأسه ولم تتحرك له شفتان، ونما ود لو أن النبي تركه إلى الوليد بن المغيرة أو إلى أمية بن خلف، فلما شعر النبي أن العباس حائر بين عقله وعاطفته، ورآه مطرقاً إلى الأرض، لم يلبث أن تحول عنه إلى أمية بن خلف، قال: يا أمية، ما كان لسادة الناس أن يكفروا بسيد العالمين، الله الذي فضلهم على عشيرتهم وذوي قرباهم، وما كان لك أن تكون لقومك قدوة سوء، لعمر الله ليس بعد الكفر ذنب، وما ينبغي لك أن ترغب عن دعوة الله وتصد قومك عن الدين بإعراضك عنه. قال يا محمد أمهلني يوماً أو بعض يوم، فان الأمر اعسر عندي من يسره لديك. واتجه الرسول إلى أبي جهل بن هشام وكان يجلس بجوار الوليد بن